تعجلوا بفداء أسراكم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه، قال المطلب بن أبى وداعة، وهو الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عنى، صدقتم لا تعجلوا. وانسل من الليل فقدم المدينة فأخذ اباه بأربعة آلاف درهم.
ثم بعثت قريش فى فداء الأسارى، فقدم مكرز بن حفص بن الأحتف فى فداء سهيل بن عمرو وكان الذى أسره مالك بن الدخشم أخو بنى سالم بن عوف، فلما قاولهم فيه مكرز وانتهى إلى رضاهم قالوا: هات الذى لنا، قال: اجعلوا رجلى مكان رجله، وخلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه. فخلوا سبيل سهيل، وحبسوا مكرزا مكانه عندهم، فقال مكرز:
رهنت يدى والمال أيسر من يدى ... على ولكنى خشيت المخازيا
وقلت سهيل خيرنا فاذهبوا به ... لأبنائنا حتى ندير الأمانيا
وكان سهيل قد قام فى قريش خطيبا عندما استنفرهم أبو سفيان، فقال: يا لغالب أتاركون أنتم محمدا والصبا من أهل يثرب يأخذون عيرانكم وأموالكم، من أراد مالا فهذا مالى، ومن أراد قوة فهذه قوة.
فيروى أن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسر سهيل يوم بدر: يا رسول الله، انزع ثنتيتى سهيل بن عمرو يدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيبا فى موطن أبدا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا أمثل به، فيمثل الله بى، وإن كنت نبيا! إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمة»«١» .
فصدق الله ورسوله، وكان لسهيل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فى تثبيت أهل مكة على الإيمان مقام سيأتى ذكر حديثه فى موضعه إن شاء الله.
وكان عمرو بن أبى سفيان بن حرب أسيرا فى يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسارى بدر، فقيل لأبى سفيان بن حرب: أفد عمرا ابنك. فقال: أيجمع على دمى ومالى، قتلوا حنظلة وأفدى عمرا؛ دعوه فى أيديهم يمسكونه ما بدا لهم!
(١) انظر الحديث فى: كنز العمال للمتقى الهندى (١٣٣٩٥، ١٣٤٤٧، ١٣٤٤٨) ، البداية والنهاية لابن كثير (٣/ ٣١٠) .