للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع ذلك فى كل شىء ومع كل شىء، أجعل ذلك البيت حرما آمنا، يتحرم بحرمته من حوله ومن تحته ومن فوقه، فمن حرمه بحرمتى استوجب بذلك كرامتى ومن أخاف أهله فقد أخفر ذمتى وأباح حرمتى، أجعله أول بيت وضع للناس ببطن مكة مباركا، يأتونه شعثا غبرا على كل ضامر يأتين من كل فج عميق، يزجون بالتلبية زجيجا ويثجون بالبكاء ثجيجا، ويعجون بالتكبير عجيجا.

فمن اعتمده لا يريد غيره فقد وفد إلى وزارنى وضافنى، وحق على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه، وأن يسعف كلا بحاجته.

تعمره يا آدم ما كنت حى، ثم تعمره الأمم والقرون والأنبياء من ولدك، أمة بعد أمة وقرنا بعد قرن «١» .

وفى حديث غير هذا عن عطاء وقتادة، أن آدم عليه السلام، لما أهبطه الله من الجنة وفقد ما كان يسمعه ويأنس إليه من أصوات الملائكة وتسبيحهم، استوحش حتى شكا ذلك إلى الله تعالى فى دعائه وصلاته، فوجهه إلى مكة، وأنزل الله تعالى ياقوتة من ياقوت الجنة فكانت على موضع البيت الآن.

وقال الله: يا آدم، إنى قد أهبطت لك بيتا تطوف به، كما يطاف حول عرشى وتصلى عنده كما يصلى عند عرشى.

فانطلق إليه آدم، فطاف به هو ومن بعده من الأنبياء، إلى أن كان الطوفان، فرفعت تلك الياقوتة، حتى أمر الله إبراهيم عليه السلام ببناء البيت، فبناه، فذلك قوله تعالى:

وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ الآية.

وعن ابن عباس، أن الله أوحى إلى آدم: أن لى حرما بحيال عرشى، فانطلق فابن لى بيتا فيه، ثم حف به كما رأيت ملائكتى يحفون بعرشى، فهنالك أستجيب لك ولولدك، من كان منهم فى طاعتى.

فقال آدم: أى رب، وكيف لى بذلك؟ لست أقوى عليه ولا أهتدى لمكانه.

فقيض الله له ملكا فانطلق به نحو مكة، فكان آدم عليه السلام إذا مر بروضة ومكان يعجبه قال للملك: انزل بنا هاهنا. فيقول له الملك: أمامك.

حتى قدم مكة، فبنى البيت من خمسة أجبل، من طور سيناء، وطور زيتا، ومن لبنان، والجودى، وبنى قواعده من حراء.


(١) أخرجه الطبرى فى التاريخ (١/ ١٣١) .