فأمن أقوام بذاك وأيقنوا ... فأمسوا بحمد الله مجتمعى الشمل
وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم ... فزادهم ذو العرش خبلا على خبل
وأمكن منهم يوم بدر رسوله ... وقوما غضابا فعلهم أحسن الفعل
بأيديهم ببعض خفاف عصوا بها ... وقد حادثوها بالجلاء وبالصقل
فكم تركوا من ناشئ ذى حمية ... صريع ومن ذى نجدة منهم كهل
تبيت عيون النائحات عليهم ... تجود بإسيال الرشاش وبالوبل
نوائح تنعى عتبة الغى وابنه ... وشيبة تنعاه وتنعى أبا جهل
وذا الرجل تنعى وابن جدعان فيهم ... مسلبة حرى مبينة الثكل «١»
ثوى منهم فى بئر بدر عصابة ... ذوى نجدات فى الحروب وفى المحل
دعا الغى منهم من دعا فأجابه ... وللغى أسباب مرمقة الوصل
فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل ... عن الشغب والعدوان فى أشغل الشغل
وقال كعب بن مالك أخو بنى سلمة يذكر بدرا:
عجبت لأمر الله والله قادر ... على ما أراد ليس لله قاهر
قضى يوم بدر أن نلاقى معشرا ... بغوا وسبيل البغى فى النار جائر
وقد حشدوا واستنفروا من يليهم ... من الناس حتى جمعهم متكاثر
وسارت إلينا لا تحاول غيرنا ... بأجمعها كعب جميعا وعامر
وفينا رسول الله والأوس حوله ... له معقل منهم عزيز وناصر
وجمع بنى النجار تحت لوائه ... يمشون فى الماذى والنقع ثائر
فلما لقيناهم وكل مجاهد ... لأصحابه مستبسل النفس صابر
شهدنا بأن الله لا رب غيره ... وأن رسول الله بالحق ظاهر
وقد عريت بيض خفاف كأنها ... مقاييس يزهيها لعينيك شاهر
بهن أيدنا جمعهم فتبددوا ... وكان يلاقى الحين من هو فاجر
فكب أبو جهل صريعا لوجهه ... وعتبة قد غادرته وهو عائر
وشيبة والتيمى غادرن فى الوغى ... وما منهم إلا بذى العرش كافر
فأمسوا وقود النار فى مستقرها ... وكل كفور فى جهنم صائر
(١) ذا الرجل: أراد به الأسود بن المطلب بن عبد المخزومى، الذى خرج من صفوف المشركين يريد أن يقتحم على المسلمين ليشرب من حوضهم، وقد عاهد الله أن يشرب منه أو يموت فضربه حمزة فقطع قدمه. والحرى: المحترقة الجوف.