للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال جابر بن عبد الله: عملنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخندق وكنا نعمل فيه نهارا فإذا أمسينا رجعنا إلى أهالينا، فكانت معى شويهة غير جد سمينة، فقلت: والله لو صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمرت امرأتى فطحنت لنا شيئا من شعير فصنعت لنا منه خبزا وذبحت تلك الشاة فشويناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أمسينا وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصراف عن الخندق قلت: يا رسول الله، إنى قد صنعت لك شويهة كانت عندنا وصنعنا معها شيئا من خبز هذا الشعير، فأحب أن تنصرف معى إلى منزلى. وإنما أريد أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم معى وحده.

فلما قلت له ذلك قال: «نعم» . ثم أمر صارخا فصرخ: أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبد الله. قال: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فجلس وأخرجناها إليه، فبرك وسمى الله ثم أكل وتواردها الناس، كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس، حتى صدر أهل الخندق عنها.

وحدث سلمان الفارسى قال: ضربت فى ناحية من الخندق فغلظت على ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب منى، فلما رآنى أضرب ورأى شدة المكان على نزل فأخذ المعول من يدى فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب به ضربة أخرى فلمعت تحته برقة أخرى، ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى، قلت: بأبى أنت وأمى يا رسول الله! ما هذا الذى رأيت لمع تحت المعول وأنت تضرب؟ قال: «أوقد رأيت ذلك يا سلمان» : قلت: نعم.

قال: «أما الأولى فإن الله فتح على بها اليمن، وأما الثانبة فإن الله فتح على بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن الله فتح بها على المشرق» «١» . فكان أبو هريرة يقول حين فتحت الأمصار فى زمان عمر وزمان عثمان وما بعده: افتتحوا ما بدا لكم، فو الذى نفس أبى هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك.

ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجرف وزغابة فى عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بنى كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمى إلى جانب أحد.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع- فى ثلاثة آلاف


(١) انظر الحديث فى: البداية والنهاية لابن كثير (٤/ ٩٩) .