الله صلى الله عليه وسلم يأن يغزوهم، فبينا هم فى ذلك قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، سمعنا برسولك حين بعثته إلينا، فخرجنا إليه لنكرمه ونؤدى إليه ما قبلنا من الصدقة، فانشمر راجعا، فبلغنا أنه زعم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنا خرجنا إليه لنقتله وو الله ما جئنا لذلك. فأنزل الله فيه وفيهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ [الحجرات: ٦] .
هكذا ذكر ابن إسحاق «١» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بنى المصطلق بعد إسلامهم الوليد بن عقبة ولم يعين مدة توجيهه إياه إليهم، وقد يوهم ظاهره أن ذلك كان بحدثان إسلامهم، ولا يصح ذلك، إذ الوليد من مسلمة الفتح، وإنما كان الفتح فى سنة ثمان بعد غزوة بنى المصطلق وإسلامهم بسنتين، فلا يكون هذا التوجيه إلا بعد ذلك ولا بد.
وقد قال أبو عمر بن عبد البر: لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عز وجل: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ نزلت فى الوليد بن عقبة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنى المصطلق مصدقا، والله سبحانه أعلم.
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك حتى إذا كان قريبا من المدينة قال:«أهل الإفك فى الصديقة المبرأة المطهرة عائشة بنت الصديق، رضى الله عنهما، ما قالوا» .
فحدثت- يرحمها الله- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. فلما كانت غزوة بنى المصطلق أقرع بين نسائه كما كان يصنع فخرج سهمى عليهن معه فخرج بى صلى الله عليه وسلم. قالت: وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العلق لم يهبجهن اللحم فيثقلن، وكنت إذا رحّل لى بعيرى جلست فى هودجى ثم يأتى القوم الذين يرحلون لى ويحملوننى فيأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير فيشدونه بحباله ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به.
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك وجه قافلا حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات به بعض الليل ثم أذن فى الناس بالرحيل، فارتحل الناس وخرجت لحاجتى وفى عنقى عقد لى فيه جزع ظفار فلما فرغت انسل من عنقى ولا أدرى، فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه فى عنقى فلم أجده وقد أخذ الناس فى الرحيل، فرجعت إلى مكانى الذى ذهبت إليه فالتمسته حتى وجدته، وجاء خلافى القوم الذين كانوا يرحلون لى البعير وقد فرغوا من رحلته فأخذوا الهودج وهم يظنون أنى فيه كما