للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يزل أهلها على وجه الدهر يصونون جنابها ويحافظون على حرمتها.

يقال: إنه اجتمع رأى بنى إسماعيل وخيارهم على أن لا يدعوا أحدا أحدث فى حرم الله حدثا إلا غربوه منه، ثم لم يرجع فيه. ويقال: بل كان ذلك مما سن لهم أولوهم، فصارت سنة فيهم يدينون بها، ثم خلف من خلف بعدهم على ذلك، يرون فيه رأيهم، وتكبر مواقعة الظلم فى حرم الله والتعدى به فى نفوسهم، ويعتقدون أن الباغى فيه معاقب فى دنياه فى نفسه وماله، وأن الحالف عند البيت حانثا مخوف عليه مما أصاب قبله ممن فعل فعله، وأن دعاء المظلوم عنده وخصوصا فى الشهر الحرام مجاب فى ظالمه، ويوثرون فى ذلك أشياء أراها الله إياهم، صونا لحرمه الكريم، وتنزيها لبيت خليله إبراهيم.

ذكر الواقدى من حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث، قال: عدا رجل من بنى كنانة بن هذيل على ابن عم له وظلمه واضطهده فناشده بالرحم وعظم عليه، فأبى إلا ظلمه، فقال: والله لألحقن بحرم الله فى هذا الشهر، ولأدعون الله عليك. فقال له ابن عمه مستهزئا به: هذه ناقتى فلانة، فأنا أفقرك ظهرها فاذهب فاجتهد.

فأعطاه ناقة، وخرج حتى جاء الحرم فى الشهر الحرام، فقال: اللهم إنى أدعوك جاهدا مضطرا على ابن عمى فلان، ترميه بداء لا دواء له.

ثم انصرف، فيجد ابن عمه قد رمى فى بطنه فصار مثل الزق، فمازال ينتفخ حتى انشق.

قال عبد المطلب: لحدثت بهذا الحديث ابن عباس، فقال: أنا رأيت رجلا دعا على ابن عم له بالعمى، يعنى فى الحرم، فرأيته يقاد أكمة العميان.

وعن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب يسأل رجلا من بنى سليم عن ذهاب بصره. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، كنا فى بنى ضبعاء عشرة، وكان لنا ابن عم، فكنا نظلمه ونضطهده، فكان يذكرنا بالله والرحم، وكنا أهل بيت نرتكب كل الأمور، فلما رأى ابن عمنا أنا لا نكف عنه ولا نرد إليه ظلامته، أمهل حتى دخلت الأشهر الحرم، انتهى إلى الحرم فجعل يرفع يديه إلى الله جل ثناؤه، ويقول:

لاهم «١» أدعوك دعاء جاهدا ... اقتل بنى الضبغاء إلا واحدا


(١) لاهم: أى اللهم، والعرب تحذف منها الألف واللام للتخفيف.