للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سفيان فقال: أيها الناس، إنى قد أجرت بين الناس. ثم ركب بعيره فانطلق. فلما قدم على قريش قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدا فكلمته فو الله ما رد على شيئا ثم جئت ابن أبى قحافة فلم أجد فيه خيرا. ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى العدو. ويقال:

أعدى العدو، ثم أتيت عليا فوجدته ألين القوم، وقد أشار على بشىء صنعته فو الله ما أدرى هل يغنى شيئا أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال: أمرنى أن أجير بين الناس ففعلت.

قالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا. قالوا: ويلك! والله ما زاد الرجل على أن لعب بك فما يغنى عنك ما قلت. قال: لا والله ما وجدت غير ذلك.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة وهى تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أى بنية أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه؟ قالت: نعم فتجهز. قال: فأين ترينه يريد؟ قالت: لا والله ما أدرى.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتهيؤ، وقال:

«اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها فى بلادها» «١» ؛ فتجهز الناس.

وكتب حاطب بن أبى بلتعة عند ذلك كتابا إلى قريش يخبرهم بالذى أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر فى السير إليهم ثم أعطاه امرأة وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا. فجعلته فى رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به. وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث على بن أبى طالب والزبير بن العوام فقال: أدركا امرأة كتب معها حاطب إلى قريش يحذرهم ما أجمعنا له فى أمرهم. فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها والتمسا فى رحلها فلم يجدا شيئا، فقال لها على: أحلف بالله ما كذب رسول الله ولا كذبنا ولتخرجن هذا الكتاب أو لنكشفنك. فلما رأت الجد منه استخرجت الكتاب من قرون رأسها فدفعته إليه. فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال: «يا حاطب، ما حملك على هذا؟» قال: يا رسول الله، أما والله إنى لمؤمن بالله وبرسوله ما غيرت ولا بدلت، ولكنى كنت امرء ليس لى فى القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لى بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه؛ فقال عمر: يا رسول الله دعنى فلأضرب عنقه فإن الرجل نافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» «٢» .


(١) انظر الحديث فى: مجمع الزوائد للهيثمى (٦/ ١٦٤) . البداية والنهاية لابن كثير (٤/ ٢٨٨٣) .
(٢) انظر الحديث فى: مسند الإمام أحمد (١/ ٧٩، ٨٠، ١٠٥) ، سنن الترمذى (٥/ ٣٣٠٥) ، صحيح البخارى فى كتاب الجهاد والسير (٦/ ٣٠٠٧) .