تعجيل العقوبة، فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أو عدهم فيما انتهكوا مما حرم الساعة، فقال:
وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [القمر: ٤٦] .
فأخر العقاب إلى يوم القيامة، وأراهم الله الاستجابة بعضهم لبعص ليتناهوا عن الظلم، وأخر أهل الإسلام ليوم الجمع، ويستجب الله لمن يشاء، فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين.
ومن المشهور فى هذا الباب أمر إساف ونائلة، وهما صنما قريش اللذان أقاموهما على زمزم ينحرون عندهما. ذكروا أنهما كان رجلا وامرأة من جرهم، إساف بن بغى، ونائلة بنت ديك، فوقع إساف على نائلة فى الكعبة، فمسخهما الله حجرين. ويقال:
أحدثا فيها فمسخهما الله؛ فالله أعلم.
وأمرهما معدود فيما بلغت إليه جرهم من الاستخفاف بحرمة الحرم وقلة مبالاتهم بالبغى فيه، مع ما أراهم الله من عظيم الآية بمسخهما حجرين، فما نهاهم ذلك عن قبيح ما كانوا عليه، حتى أخرجهم الله عن جوار بيته بأيدى آخرين من عباده، فكان من أمرهم مع خزاعة ما كان.
فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى بغزالى الكعبة وبحجر الركن فدفنها فى زمزم، وانطلق هو ومن معه من جرهم إلى اليمن، وحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا. فقال عمرو بن الحارث بن مضاض فى ذلك، وليس بمضاض الأكبر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر «١»
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالى والجدود العواثر «٢»
وكنا ولاة البيت من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
ونحن ولينا البيت من بعد نابت ... بعز فما يحظى لدينا المكاثر
ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا ... فليس لحى غيرنا ثم فاخر
ألم تنكحوا من خير شخص علمته ... فأبناؤه منا ونحن الأصاهر
(١) هذه الأبيات ذكرها فى السيرة وذكر قبل هذا البيت:
وقائلة والدمع سكب مبادر ... وقد شرقت بالدمع منها المحاجر
انظر: السيرة (١/ ١٠٩) .
(٢) صورف الليالى: شدائدها. والجدود: هو البخت والحظ.