للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن قيس الذى يقال له: ابن العوراء، وهو أحد بنى وهب بن رئاب، قال: يا رسول الله، هلكت بنو رئاب. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم اجبر مصيبتهم» «١» .

وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة فوقف فى فوارس من قومه على ثنية من الطريق وقال لأصحابه: قفوا حتى يمضى ضعفاؤكم وتلحق اخراكم. فوقف هنالك حتى مضى من كان لحق بهم منهزمة الناس.

قال ابن هشام «٢» : وبلغنى أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية فقال لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: نرى قوما واضعى رماحهم بين آذان خيلهم طويلة بوادهم.

فقال: هؤلاء بنو سليم ولا بأس عليكم منهم، فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادى، ثم طلعت خيل اخرى تتبعها فقال لأصحابه: ماذا ترون، قالوا: نرى أقواما عارضى أرماحهم أغفالا «٣» على خيلهم. قال: هؤلاء الأوس والخزرج ولا بأس عليكم منهم، فلما انتهوا إلى أصل الثنية سلكوا طريق بنى سليم ثم اطلع فارس فقال لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا:

نرى فارسا طويل الباد واضعا رمحه على عاتقه عاصبا رأسه بملاءة حمراء. فقال: هذا الزبير بن العوام وأحلف باللات ليخالطنكم فاثبتوا له. فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية أبصر القوم فصمد لهم فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: «إن قدرتم على بجاد، رجل من بنى سعد بن بكر، فلا يفلتنكم» ، وكان قد أحدث حدثا، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله، وساقوا معه الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، فعنفوا عليها فى السياق فقالت للمسلمين: تعلموا والله أنى لأخت صاحبكم من الرضاعة. فلم يصدقوها حتى أتوا بها النبى صلى الله عليه وسلم فلما انتهوا بها إليه قالت: يا رسول الله إنى أختك. قال: وما علامة ذلك؟ قالت عضة عضة عضضتنيها فى ظهرى وأنا متوركتك، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فبسط لها رداءه فأجلسها عليه وخيرها، فقال: إذا أحببت فعندى محبة مكرمة وإن أحببت أن أمتعك وترجعى إلى قومك فعلت، قالت: بل تمتعنى وتردنى إلى قومى. فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها. فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له: مكحول، وجارية، فزوجت أحدهما الآخر فلم يزل فيهم من نسلهما بقية «٤» .


(١) انظر الحديث فى: الطبقات الكبرى لابن سعد (٢/ ١٥٢) ، الإصابة لابن حجر (٤/ ١٢١) .
(٢) انظر: السيرة (٤/ ٨٨- ٨٩) .
(٣) أغفالا: جمع غفل، وهو الذى لا علامة له، يريد أنهم لم يتخذوا لأنفسهم علامة يعرفون بها.
(٤) انظر الحديث فى: تاريخ الطبرى (٢/ ١٧١) ، الإصابة لابن حجر (٨/ ١٢٣) ، الاستيعاب لابن-