لقد أقوم مقاما لو يقوم به ... يرمى ويسمع ما قد أسمع الفيل
[لظل ترعد من خوف بوادره ... إن لم يكن من رسول الله تنويل
حتى وضعت يمينى ما أنازعها ... فى كف ذى نقمات قوله القيل
فلهو أخوف عندى إذ أكلمه ... وقيل إنك منسوب ومسئول
من ضيغم بضراء الأرض مخدره ... فى بطن عثر غيل دونه غيل
إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول
فى عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال انكاس ولا كشف ... عند اللقاء ولا ميل معازيل
يمشون مشى الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إذا عرد السود التنابيل
شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود فى الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكت لها حلق ... كأنها حلق القفعاء مجدول
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم ... قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
لا يقع الطعن إلا فى نحورهم ... ليس لهم عن حياض الموت تهليل
ويروى أن كعبا لما أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول
أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى الخلق: «أى اسمعوا» . تعجبا بقوله.
ومن مستجاد شعر كعب بن زهير قوله أيضا يمدح النبى صلى الله عليه وسلم:
تخذى به الناقة الأدماء معتجرا ... بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم
وفى عطافيه أو أثناء بردته ... ما يعلم الله من دين ومن كرم
ولما قال كعب فى لاميته المتقدمة: «إذا عرد السود التنابيل» ، يريد الأنصار وخص المهاجرين بمدحته دونهم غضب عليه الأنصار فقال بعد أن أسلم يمدحهم ويذكر بلاءهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعهم من اليمن، ويقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضه على ذلك وقال لما أنشده القصيدة المتقدمة: «لولا ذكرت الأنصار بخير فإن الأنصار لذلك أهل؟» «١» ، فقال كعب هذه الأبيات:
من سره كرم الحياة فلا يزل ... فى مقنب من صالح الأنصار
ورثوا المكارم كابرا عن كابر ... إن الخيار هم بنو الأخيار
(١) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (٤/ ٣٧٤) .