للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما اجتمع الناس بمكة وفرغوا من الحج ولم يبق إلا أن يصدر الناس، كان أول ما تعرض له قصى من المناسك أمر الإجازة للناس بالحج.

وكانت صوفة هى التى تلى ذلك مع الدفع بهم من عرفة ورمى الجمار، وهم ولد الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر «١» .

والغوث هو أول من ولى ذلك منهم.

وذلك أن أمه كانت امرأة من جرهم، وكانت لا تلد، فنذرت لله إن هى ولدت ولدا أن تصدق به على الكعبة عبدا لها يخدمها ويقوم عليها، فولدت الغوث وكان يقوم على الكعبة فى الدهر الأول مع أخواله من جرهم، فولى الإجازة بالناس من عرفة لمكانه الذى كان به من الكعبة، وولده من بعده حتى انقرضوا.

فقال مر بن أد أبو الغوث لوفاء نذر أمه:

إنى جعلت رب من بنيه ... ربطة بمكة العليه

فباركن لى بها إليه ... واجعله لى من صالح البريه

وكان الغوث بن مر، زعموا، إذا دفع بالناس قال:

لا هم إنى تابع تباعه ... إن كان إثم فعلى قضاعه

وذلك أن قضاعة كان منهم أحياء يستحلون الحرمة فى الجاهلية، فكانت صوفة تدفع بالناس من عرفة، وتجيز بهم إذا نفروا من منى إذا كان يوم النفر أتوا لرمى الجمار، ورجل من صوفة يرمى للناس، لا يرمون حتى يرمى، فكان ذوو الحاجات المتعجلون يأتونه فيقولون له: قم فارم حتى نرمى معك. فيقول: لا والله حتى تميل الشمس. فيظل ذوو الحاجات الذين يحبون التعجيل يرمونه بالحجارة ويستعجلونه بذلك، ويقولون له:

ويلك قم فارم بنا. فيأبى عليهم، حتى إذا مالت الشمس قام فرمى ورمى الناس معه.

فإذا فرغوا من رمى الجمار وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبى العقبة فحبسوا الناس وقالوا: أجيزى «٢» صوفة. فلم يجز أحد من الناس حتى يرموا، فإذا نفذت صوفة ومضت خلى سبيل الناس فانطلقوا بعدهم، فكانوا كذلك حتى انقرضوا.


(١) انظر: السيرة (١/ ١١٦) .
(٢) أجيزى: جزت الطريق وجاز الموضع: أى سار فيه وسلكه، وأجازه: حلفه وقطعه، وأجازه: أنفذه. انظر: اللسان (مادة جوز) .