للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم استتب برسول الله صلى الله عليه وسلم سفره، وأجمع السير وتخلف عنه نفر من المسلمين عن غير شك ولا ارتياب، منهم كعب بن مالك أخو بنى سلمة ومرارة بن الربيع أخو بنى عمرو بن عوف، وهلال بن أمية أخو بنى واقف، وأبو خيثمة أخو بنى سالم، وكانوا نفر صدق لا يتهمون فى إسلامهم.

فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع وضرب عبد الله بن أبى معه على حده عسكره أسفل منه نحو ذباب «١» ، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبى فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب.

وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له، وتخففا منه، فلما قالوا ذلك أخذ علىّ سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال: يا نبى الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتنى أنك استثقلتنى وتخففت منى، فقال: «كذبوا ولكنى خلفتك لما تركت ورائى، فارجع فاخلفنى فى أهلى وأهلك، أفلا ترضى يا علىّ أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى» «٢» . فرجع علىّ إلى المدينة رضى الله عنه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره.

ثم إن أبا خيثمة بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما رجع إلى أهله فى يوم حار، فوجد امرأتين له فى عريشين لهما فى حائطه قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له فيه ماء وهيأت له طعاما، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الضح والريح والحر، وأبو خيثمة فى ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء فى ماله مقيم! ما هذا بالنصف ثم قال: والله لا أدخل على عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيئا لى زادا ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج فى طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل بتبوك.

وقد كان أدرك أبا خيثمة فى الطريق عمير بن وهب الجمحى يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم


(١) ذباب: ذكره الحازمى بكسر أوله وباءين وقال: جبل بالمدينة له ذكر فى المغازى والأخبار، وعن العمرانى: ذباب بوزن الذباب الطائر جبل بالمدينة. انظر: معجم البلدان (٣/ ٣) .
(٢) انظر الحديث فى: صحيح البخارى كتاب المغازى باب غزوة تبوك (٧/ ٤٤١٦) ، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علىّ (٤/ ٣١، ٣٢) ، دلائل النبوة للبيهقى (٥/ ٢٢٠) ، تاريخ ابن كثير (٥/ ٧) .