للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجال حمير.

وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما تعرق جباههما لم تضرهما. فأصفقت عند ذلك حمير على دينه. من هنالك وعن ذلك كان أصل اليهودية باليمن.

قال ابن إسحاق «١» : وقد حدثنى محدث أن الحبرين ومن خرج من حمير إنما اتبعوا النار ليردوها وقالوا: من ردها فهو أولى بالحق فدنا منها رجال حمير بأوثانهم ليردوها، فدنت منهم لتأكلهم، وحادوا عنها ولم يستطيعوا ردها، ودنا منها الحبران بعد ذلك، وجعلا يتلوان التوراة وتنكص «٢» عنهما حتى رداها إلى مخرجها الذى خرجت منه.

فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما. فالله أعلم أى ذلك كان.

وكان رئام بيتا لهم يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون منه إذ كانوا على شركهم، فقال الحبران لتبع: إنما هو شيطان يفتنهم فخل بيننا وبينه. قال: فشأنكما به. فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن، كلبا أسود، فذبحاه ثم هدما ذلك الييت.

قال ابن إسحاق «٣» : فبقاياه اليوم كما ذكر لى، بها آثار الدماء التى كانت تهراق عليه. وتبع هذا هو أحد الملوك الذين وطئوا البلاد ودوخوا الأرض ودانت لهم الممالك، ويقال: إنه المسمى فى قوله تعالى: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ [الدخان: ٣٧] ، ذلك لأنه لما آمن فى آخر عمره ووحد، خالفته حمير فتفرقوا عنه، فانتقهم الله منهم.

وحكى الحسن بن أحمد الهمدانى: أنه أول ملك بشر برسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به، وهو رتب الملوك وأبناء الملوك من قومه فى قبائل العرب والعجم ومدائنها وأمصارها، وكان لكل قبيلة من العرب ولكل حى من العجم ملك من قومه، إما حميرى وإما كهلانى يسمع له ويطاع.

ويذكر أنه جمع الملوك وأبناء الملوك والأقاول وأبناء الأقاول من قومه، وقال لهم:

أيها الناس: إن الدهر نفد أكثره ولم يبق إلا أقله، وإن الكثير إذا قل إلى النقصان


(١) انظر: السيرة (١/ ٤٠- ٤١) .
(٢) تنكص: من النكوص: وهو الإحجام عن شىء، وقيل: هو الرجوع إلى الوراء، وقيل: هو القهقرى. انظر: اللسان (مادة/ نكص) .
(٣) انظر: السيرة (١/ ٤١) .