للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

محالٌ، وخصوصاً بما (١) يتعلق بمعرفة الله تعالى ويقتضي الجهلَ به، وردُّه بقوله: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ ليس لامتناع رؤيته تعالى في نفس الأمر، وإلا لقال: لن أُرى، بل لقصورِ الطالب عن رؤيته لبقية الحجاب، فهي موقوفة على ارتفاعه.

وجَعْلُ السؤال لتبكيت قومه الذين قالوا: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣] ليس بشيء؛ لأن حقَّه في أن يجهِّلهم ويزيلَ شبهتهم كما فعل بهم حيث قالوا: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا﴾.

والاستدلال على استحالتها بالجواب أبعدُ عن الصواب؛ إذ لا دلالة فيه على أن لا يراه أبداً، ولا على أنْ لا يراه غيرُه أصلاً، فضلاً من أنْ يدل على استحالتها، ودعوى الضرورة فيه مكابرةٌ أو جهالةٌ لحقيقة الرؤية.

﴿قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾؛ أي: لن تُطيق أنت أن تراني.

﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾ استدراك يريد أن يبيِّن به أنْ لا يطيقُه، فإنَّ الجبل مع شدته وصلابته إذا لم يستقرَّ فالآدميُّ مع ضعف بِنيته أولى أن لا يستقرَّ، وهذا تسكين لقلب موسى ، وتخفيفٌ عنه ثقلَ أعباء المنع.

ولا يذهبْ على مَن نَظر بعينِ الإنصاف وتجنَّب عن التعصُّب والاعتساف أنه ليس بجوابِ مَن سأل محالاً، وقد قال الله تعالى لنوح : ﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود: ٤٦] فلو سأل موسى محالاً لكان في الجواب زجراً مّا.

﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ بعد رفعِ الموانع من البين علَّق رؤيته بالاستقرار، وهو أمر ممكنٌ في نفس الأمر، ففُهم منه أنه ممكنٌ في نفسه، لكن المانع


(١) في (ف): "ما".