للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من جهته على ما دل عليه قوله تعالى: ﴿وَ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشورى: ٥١] حيث قال: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ ولم يقل: ما كان له تعالى، أتى بالتعليق ثم بالتسويف مبالغةً في تعذُّر المطلب: أما التعليقُ فلبيانِ أن الطاقة البشرية لا تتحمل رؤيته تعالى، وأما التسويف فلبيانِ أنه على تقدير التحمُّل لا بد من ارتفاع موانع زوالها تدريجيٌّ يقتضي مهلةً ومدةً.

﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾؛ أي: ظهر له ظهورَ المرئيِّ للرائي بأنْ خلق الله تعالى فيه حياةً وحسًّا، وهذا المعنى هو المرويُّ عن ابن عباس (١)، وهو الموافق لمساق الكلام، المطابقُ لأصل أهل السنَّة والجماعة، ومَن صرَفه عن الظاهر فقد دسَّ فيه مذهب الاعتزال.

﴿جَعَلَهُ دَكًّا﴾ الدكُّ والدقُّ أخوان كالشَّكِّ والشَّقِّ، وإنما قال: ﴿دَكًّا﴾ مبالغةً - كـ: رجلٍ عدلٍ - والمجازُ عقليٌّ، فمَن فسره بالمدكوك على أنه مصدرٌ بمعنى مفعولٍ والمجازُ لغويٌّ فقد أخرجه إلى شيء مغسول، على طريقة كلامٍ عاميٍّ مرذول.

فإن قلتَ: أليس صحةُ (٢) المرام وصدقُ الكلام يقتضي معنى المدكوك؟

قلت: لا نزاع فيه، إنما الخلاف في طريقة (٣) إفادته وكيفية إرادته من عبارة الدك.

وقرئ: ﴿دَكَّاءَ﴾ (٤) أي: أرضاً مستوية.

وقُرئ: (دُكًّا) (٥)؛ أي: قطعاً، جمعُ دكَّاءَ تأنيثِ أَدَكّ.


(١) انظر: "المحرر الوجيز" (٢/ ٤٥١)، و "البحر" (١٠/ ٢٩٦).
(٢) في (ك): "حجة".
(٣) في "ك": (طريق).
(٤) هي قراءة حمزة والكسائي. انظر: "التيسير" (ص: ١١٣).
(٥) انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٤٥).