للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لم يترتَّب عليها الاهتداءُ منزلةَ العدم، وأما اختصاصُ هداية الله تعالى ببعضٍ دون بعضٍ، واستلزامُها للاهتداء، فيردُّه قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧] (١).

وفي الإفراد في الأول والجمعِ في الثاني - لاعتبار اللفظ في الأول والمعنى في الثاني (٢) - والتغيرِ (٣) عن لفظ الضالين تنبيهٌ على أن المهتدين كنفسٍ واحدةٍ لاتحاد طريقهم، بخلاف الضالين فإن لهم طرقاً لا تنحصر، وأن اجتماعهم لا يُجدي نفعًا في دفع الخسران اللازم لضلالتهم.

وفي الاقتصار في الإخبار عمَّن هداه الله تعالى بالمهتدين تعظيمٌ لشأن الاهتداء، وبيانُ أنه في نفسه كمالٌ تامٌّ لو لم يكن لكَفَى نفعًا جليلًا وربحًا وافيًا؛ لأنَّه المستلزم للفوز الأكبر، والعنوانُ لجميع الكمالات.

* * *

(١٧٩) - ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.

﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا﴾: خَلَقْنا ﴿لِجَهَنَّمَ﴾ لمصلحته؛ فإنه مظهر (٤) جلال الله تعالى


(١) رد على البيضاوي في قوله: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ تصريح بأن الهدى والضلال من الله، وأن هداية الله تختص ببعض دون بعض، وأنها مستلزمة للاهتداء. انظر: "تفسير البيضاوي" (٣/ ٤٣).
(٢) "لاعتبار اللفظ في الأول والمعنى في الثاني" من (م).
(٣) في (م): "والتعبير"، ولعلها محرفة عن: (والتغيير).
(٤) في (ف) (ك): "يظهر".