للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان النبيُّ يدعوهم إلى الإيمان والطاعة، وينهاهم عن الكفر والمعصية، ويحذرهم قيام الساعة، فقالوا: متى هي؟

﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ استأثره به لم (١) يُطْلِع عليه ملَكًا مقرَّبًا ولا نبيًّا مرسلًا.

لمَّا كان السؤال عن الساعة عمومًا، ثم خصِّص بالسؤال عن وقتها، جاء الجواب عنها عمومًا بقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ ثم خصِّص من حيث الوقت فقيل:

﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾؛ أي: لا يبيِّنها ولا يكشفُ أمرها للناس، واللام للتأقيت كما في ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨]، والمعنى: إن الخفاء بها مستمرٌّ على غيره إلى وقت وقوعه، ولا يُظهرها إلا في ذلك الوقت الذي تقع فيه بغتةً بنفس الوقوع لا بالإخبار عنها؛ ليكون أَدْعَى إلى الطاعة وأَنْهَى عن المعصية، كإخفاء الأجل الخاصِّ الذي هو وقت الموت.

﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: ثقُلت وكبُرت على أهلها من الملائكة والثَّقَلين، لشدة هولها وعظَمها، كأنه إشارةٌ إلى حكمة إخفائها، أي: لا يطيقون حمل إخبارها، أو: ثَقُلَ إخفاؤها عليهم، فإن ما خَفِيَ أمرُه ثقل على النفوس.

﴿لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾: فجأةً على غفلةٍ منكم؛ كما قال: ﴿مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾ [يس: ٤٩].

وقد ورد في الحديث: "إن الساعةَ تَهِيجُ بالناس والرجلُ يُصْلِحُ حوضَه، والرجل يسقي ماشيتَه، والرجل يقوِّمُ سلعته في السوق، والرجل يَخفضُ ميزانَه ويرفعُه" (٢).


(١) في (م): "ولم".
(٢) انظر: "الكشاف" (٢/ ١٨٤)، و"تفسير البيضاوي" (٣/ ٤٤)، و"البحر" (١٠/ ٤٢٨). ورواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٦١٠) عن قتادة عن النبي مرسلًا. وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه البخاري (٦٥٠٦)، ومسلم (٢٩٥٤).