للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يعجب بالشاعر المتعدّد الأغراض، فاذا بلغ أبا عبد الرحمن المعروف بالأشقر صبّ جام نقده عليه لاقتصاره على غرض الزّهد. أما التهامي، وهو الشاعر المعروف فانه يعجب به ويقول فيه: «وله شعر أدقّ من دين الفاسق، وأرقّ من دمع العاشق، كأنما روّح بالشمال أو علّل بالشمول، فجاء كنيل البغية ودرك المأمول» «١» . ونستنتج من قوله هذا مدى إعجابه بدقّته في التعبير ورقته في الأداء. وإذا مال، في نقده للتّهامي، عن المعنى فإن الأسلوب عنده ذو اعتبار، بل إنّه يهتمّ لأسلوب الكافي العماني، ويرفعه إلى أعلى عليّيّن «٢» . وقد يستغلّ اسم الشاعر للتعبير عن رأيه في شعره، فيقول في الفطيري: «هذا الشاعر منسوب إلى الفطير إلا أنّ شعره مخمّر كلّ التخمير، ومخاطب بين ولاة الفضل بالتأمير» . ولعلّ بعض النقّاد يتمنّى علينا أن ندخل هذا الرأي في باب التلاعب اللفظي، ولكنّنا نرى وجوب إدخاله في هذا الباب ما دام هدفه من هذا الكلام نقد شعره.

ويحلو للباخرزي كذلك أن يصوّر لنا جلسات النقد البريئة التي كانت تجري في حضرته، أو يلتقطها في أثناء جولته. وكم كان بودّنا أن يكثر من تسجيل هذه الجلسات لتكون ركيزة للأدب في النقد. من ذلك قصة الأوسي كدي وما جرى في حضرة الصاحب بن عباد «٣» ، وكذلك ما حصل من حوار بين الشاعرة أم كلثوم والراوي أبي طالب الأنصاري «٤» .

وقد عرف الباخرزي بالصراحة في نقده. لذا تراه، إذا لم يرق له شعر شاعر، صرّح بذلك، وإن كان يحبّ هذا الشاعر ويميل إليه. فإذا ذكر أبا سعد

<<  <  ج: ص:  >  >>