اختلاف كثير، ولنا ما روى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، ولأن ابن لبون يجب على طريق البدل عن ابنة مخاض في الزكاة إذا لم يجدها فلا يجمع بين البدل والمبدل في واجب، ولأنهما موجبهما واحد فيصير كأنه أوجب أربعين ابنة مخاض، ولأن ما قلناه الأقل فالزيادة عليه لا تثبت إلا بتوقيف يجب الدليل على من ادعاه، فأما دية قتيل خيبر فلا حجة فيه؛ لأنهم لم يدعوا على أهل خيبر قتل صاحبهم إلا عمدا فتكون ديته دية العمد، وهي من أسنان الصدقة إن قلنا تجب أرباعا.
أما وجوبها على العاقلة، فقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في ذلك، وقد ثبتت الأخبار عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة وأجمع عليه أهل العلم، وقد جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دية عمد الخطأ على العاقلة بما قد روينا من الحديث فيما سبق، وفيه تنبيه على أن العاقلة تحمل دية الخطأ، والمعنى في ذلك أن جنايات الخطأ تكثر ودية الآدمي كثيرة فإيجابها على الجاني يجحف بماله، فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل والإعانة له تخفيفا عنهما إذ كان معذورا في فعله، ولا خلاف بينهم في أنها مؤجلة في ثلاث سنين فإن عمر وعليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة، واتبعهم على ذلك أهل العلم، ولأنه مال يجب على سبيل المواساة فلم يجب حالا كالزكاة.
مسألة ٩:(ودية الحرة المسلمة نصف دية الرجل) قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة على نصف دية الرجل، وحكي عن ابن علية والأصم أنهما قالا: ديتها دية الرجل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «في النفس المؤمنة مائة من الإبل» ، وهو قول شاذ يخالف إجماع الصحابة وسنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فإن في كتاب عمرو بن حزم " ودية المرأة على النصف من دية الرجل " وهو أخص مما ذكروه، وهما في كتاب واحد فيكون ما ذكرناه مفسرا لما ذكروه ومخصصا.