للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٢٦) ولا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا اعترافا، ولا ما دون الثلث

ــ

[العُدَّة شرح العُمْدة]

قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] ؛ ولأنه يتعذر حمل الدية عن القاتل فلزمته كما لو ثبت القتل باعترافه، قال شيخنا: ويتخرج في المذهب مثل ذلك، ولأن أصحابنا قالوا في المرتد إذا قتل رجلا خطأ فالدية في ماله مؤجلة؛ لأنه لا عاقلة له، فينبغي أن يثبت هذا الحكم في كل من لا عاقلة له لوجود العلة فيه، وقالوا في نصراني رمى بسهم ثم أسلم ثم قتل السهم رجلا: الدية في ماله؛ لأنه تعذر حمل العاقلة فكذا هذا.

مسألة ٢٦: (ولا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا اعترافا، ولا ما دون الثلث) ؛ لما روى ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا» وروي عن ابن عباس موقوفا عليه.

وفي هذه المسألة خمس مسائل: الأولى: أنها لا تحمل العمد، وقد أجمع العلماء على أن العاقلة لا تحمل العمد الموجب للقصاص في نفس ولا طرف، وعن مالك أن الجنايات التي لا قصاص فيها تحملها العاقلة كالجائفة والمأمومة؛ لأنها جناية لا قصاص فيها فأشبهت الخطأ، ولنا حديث ابن عباس؛ ولأنها جناية عمد فلا تحملها العاقلة كقتل الأب ابنه والموضحة، وأما سقوط القصاص في الجائفة والمأمومة بخلاف الخطأ فإن انتفاء القصاص فيه لكونه معذورا فيه، فيقتضي أن تواسيه العاقلة فيه.

والمسألة الثانية: أنها لا تحمل العبد، فإذا قتله قاتل وجبت قيمته في مال القاتل، ولا شيء على عاقلته خطأ كان أو عمدا، وقال أبو حنيفة: تحمله العاقلة؛ لأنه آدمي يجب لقتله القصاص والكفارة فحملت العاقلة بدله كالحر، ولنا حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولأن الواجب في العبد القيمة، وهي تختلف باختلاف صفاته فلا تحملها العاقلة كسائر القيمة وكضمان أطرافه وبهذا فارق الحر.

والمسألة الثالثة: أنها لا تحمل الصلح، قال القاضي: معناه إن صالح الأولياء عن دم العمد إلى الدية فلا تحمله العاقلة لكونه حصل عن جناية العمد، ويحتمل أنه إذا ادعى عليه قتل عمد فينكر ثم يصالح الأولياء على الإنكار على مال فلا تحمله العاقلة؛ لأنه مال ثبت بمصالحته واختياره فجرى مجرى اعترافه، وقد سبق فيه حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

<<  <   >  >>