والمسألة الرابعة: أن العاقلة لا تحمل الاعتراف، وهو أن يعترف إنسان بقتل خطأ أو شبه عمد فلا تحمله العاقلة، ولا نعلم فيه مخالفا، وهو قول ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولأنا لو أوجبنا الدية عليهم لأوجبنا عليهم حقا بإقرار غيرهم ولا يقبل إقرار شخص على غيره، ولأنه متهم في أن يواطئ على ذلك ليأخذ الدية من عاقلته. إذا تقرر هذا فإنه إذا اعترف وجبت الدية عليه حالة ولا يصح إقراره ولا يلزمه شيء، لكونه إقرارا على غيره، ولنا قَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا}[النساء: ٩٢] ؛ ولأنه مقر بجناية على غيره لا يصح إقراره كجناية العمد، ولأنه محل مضمون بالدية لو ثبت بالبينة فيضمن إذا اعترف كسائر المحال، وإنما سقطت عنه الدية في محل الوفاق لتحمل العاقلة له، فإذا لم تتحملها العاقلة بقي وجوبها عليه كسائر الديون.
المسألة الخامسة: أن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث، والصحيح عن الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن العاقلة تحمل القليل والكثير؛ لأن من وجب عليه الكثير لزمه القليل كالجاني، وقال أبو حنيفة: تحمل العاقلة السن والموضحة وما فوقها وهو نصف عشر الدية؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل الغرة التي في الجنين على العاقلة وقيمتها نصف عشر الدية، ولا تحمل ما دونه؛ لأنه ليس فيه أرش مقدر يجري مجرى ضمان الأموال، ولنا ما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قضى في الدية أن لا تحمل منها العاقلة شيئا حتى تبلغ الدية عقل المأمومة، ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني على مقتضى قاعدة سائر الجنايات، لكن خولف الأصل في ما زاد على الثلث لكونه كثيرا يجحف بالجاني، ففيما عداه يبقى على قضية القياس لقتله وعدم إجحافه به، والدليل على كثرة الثلث وقلة ما دونه قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الثلث كثير»(رواه البخاري) ، وبهذا يفارق الثلث ما دونه، وأما الغرة فلا نسلمها إلا أن يقتل الجنين مع الأم فتحملها العاقلة؛ لأن موجب الجناية يزيد على الثلث، وإن سلمنا فإنما تحملها العاقلة؛ لأنها دية آدمي على سبيل الكلام.
مسألة ٢٧:(ويتعاقل أهل الذمة) فإذا كان القاتل ذميا فعقله على عصبته من أهل دينه المعاهدين، وعنه لا يتعاقلون، ولنا أنهم عصبة يرثونه فيعقلون عنه كعصبة المسلم من