سمعت عيسى يقولك لو أن الأولين اجتمعوا في صعيد واحد واعتبر كل واحد قوة الباقين لم يجدوا العقل مصيبين مسهلين، ووجدوا شعاعه ونوره، وشرفه وبهاءه ونبله وكماله، وبهجته وجماله، وزينته وفعاله، لما بلغوا منه حداً ولا استوعبوا من ذلك جزأً. أنظر إلى من فقده ولم يوهب له شيء منه كيف يرفض ويخذل، ويعادي ويسترذل، ويهرب منه، ويستوحش من قربه وكلامه، وحتى الذي قد ولده وفصل منه ويجري مجراه؟ قال: فأما الحياة فإنها ينبوع للفرح والهم، واللذة والمعرفة، والحس والحركة، لا تمام للإنسان إلا بها، ولا قوام إلا معها، ولذلك إذا نظر إلى الميت استوحش منه، وتبرم به، وعوجل به إلى القبر، وأبعد في الأقطار. لأن الحياة التي كانت مهاد الأنس، ورباطاً بين النفس والنفس، فقدت.
قال وتجري العافية بعد هذين مجراهما، وذلك أن العليل متى طالت علته واشتدت وعظمت تلكأ عنه آنس الناس به، وهرب منه أحدب الناس عليه. فالعقل والحياة والعافية أثا في النعمة الكبرى، ودعائم العطية الأولى، وكل ما عاداهن فهو دونهن، وكلما فارقهن يسقط عنهن. والحياة وعاء، والعقل متاع، والعافية استعمال.
ثم قال: نسأل الله حياة طيبة، وعقلاً نافعاً، وعافية متصلة.
قيل له: لم لم يذكر الفقر وهو من قبيل الموت، ولا الغنى وهو من حيز الحياة؟