قال أبو زكريا الصيمري عند أبي سليمان في مذاكرة طويلة: إن كانت النفس واعتبار حالها بمنزلة الدرة في الحقة، والجوهرة في عمق البحر، وما أشبه ذلك فليست النفس في حكم البدن، ولا حالها اللائقة بها حال الكائن الفاسد، لأن الدرة ليست في الحقة التي فيها والغشاء الذي هو عليها في شيء، وإن كنت كالبصل وقشوره فهي بائدة لا بقاء لها ولا خير فيها، وفي المنكر أن تكون مع خواصها الشريفة وعجائبها الغريبة في حكم البائد الذي دثر والدارس العافي.
وقد أتت المقابسات الأول على فقر بليغة في تحقيق شأن النفس وإثبات أمرها وما خصت به دون البدن والمزاج وتوابعها ولواحقها، ولا وجه للولوع بالإكثار، فإن ذلك ربما جر إلى التقصير وحمل على الاعتذار. وهذا علم كلما قلت الحروف فيه كان المعنى بها أتم وأخلص، وكلما كثر اللفظ كان ما يراد به ويعني فيه أنقص، وليس كذلك باقي العلم. والسبب في ضيق هذا العلم أنه بحث عن حقائق الموجودات، وقصد أعيان المعقولات والخصائص، عرية من العلل والشبهات، بعيدة من الشكوك والمعارضات غنية عن التأويلات والاحتمالات، لأنها تصون أغراضها عن زخارف القول، وترتفع عن مواقع الاستعارة والغلط وألتجوز والأتساع، ولهذا ما انساق نظرهم إلى حصر الموجودات في دائرة العشرة حتى لحظوا الجوهر والكم والكيف والمضاف والأين، وكذلك متى، والواحد له، ويفعل وينفعل، وفصلوا خواصها، وحققوا حدودها، وأوضحوا علاماتها، واستوفوا جميع