لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فقد استجاب له بحمده إلى كل ما دعاه به ووثق بعد ذلك من جانبه إلى كل ما وكله إلى جوده من إعطائه ما لا يحسن أن يرغب فيه، وإعاذته مما لا يحسن أن يستعيذ منه. وهو حسبه وعليه توكله ولا قوة إلا به.
وهذا آخر العهد، وهو غني عن تقريظي ودلالتي على حسنه لظهور الحق عليه، فمن جعل هذه نبيلة صدره، وعقيدة سره، ووسيلة بينه وبين ربه، فهو الفيلسوف الحق المبرز المحقق.
المقابسة الخامسة والتسعون
في كلام لبعض الصوفية
لم يرق أبا سليمان فجاء بخير منه
رويت لأبي سليمان كلاماً لبعض الصوفية فلم يفكه ولم يهش عنده، وقال: لو قلت أنا في هذه الطريقة شيئاً لقلت: الحواس مهالك، والأوهام مسالك، والعقول ممالك، فمن خاص نفسه من المهالك قوى على المسالك، ومن قوى على المسالك أشرف على الممالك شرفا يوصله إلى المالك.
قال أبو الخطاب الكاتب: أيها الشيخ، هذا والله أحسن من كل ما سمع منهم، فلو زدتنا منه؟ فقال: الحواس مضلة، والأوهام مزلة، والعقل مدلة، فمن اهتدى في الأول وثبت في الثاني أدرك في الثالث، ومن أدرك في الثالث فقد أفلح. ومن ضل في الأول وزل في الثاني خاف ومن خاف في الثالث فهو من الهمج.
واستزاده مظهر الكاتب البغدادي فاستعفى وقال: هذا حديث قوم أباعد منا على بعض المشاكهة وما قلناه كاف فيما قصدنا، فإن استتب خفت العار واستحليت الغار، ولكل أفق يدورون عليه، ومركز يطمئنون إليه، وجو يتنفسون فيه، وفنن يقطفون منه.