وقد يحس الإنسان بنفسه الجيدة سقوط أبويه فيتلافى ذلك في تكسب الخير وإيثار الجميل، وشدو الأدب، وقصد العلم، كل ذلك سلف له، كما يحس الإنسان بشرف أبويه فيتكل على ما سبق لأوليته، ولا يشغل زمانه العزيز في تحلية نفسه بحلى آبائه وأجداده أخواله وأعمامه، ليكون ذلك زينة له في حياته، وذكراً لعقبه من بعده، فلا جرم أنه أحرى من صاحبه كثيراً ثم قال: سمعت بباب الطاق في هذه الأيام، وإنسان من أنكاد السوقة يقول لأخر من ضربائه: شرفك ميت وشرفي حي، وشرفك أخرس وشرفي ناطق، وشرفك أعمى وشرفي بصير؛ قيل له: ماذا أراد بهذا؟ قال: أراد: إني بنفسي على هذه الفضائل الشريفة والحال المتمناة، وأنت بنفسك على أضدادها، لا تحيي ولا تنطق ولا تبصر، لم تنفعك أرومتك البضاء، ولم تضرني جرثومتي السوداء، ومتى نابك أمر فتحدث بشرف غيرك، فكنت بمنزلة الخصي المدل بهن غيره، وهذا ما لا يجدي عليه عند البضاع.
المقابسة الثانية والعشرون
في ما بين المنطق والنحو من المناسبة
قلت لأبي سليمان: إني أجد بين المنطق والنحو مناسبة غالبة ومشابهة قريبة، وعلى ذلك فما الفرق بينهما، وهل يتعاونان بالمناسبة، وهل يتفاوتان بالقرب به؟ فقال: النحو منطق عربي، والمنطق نحو عقلي، وجل نظر المنطقي في المعاني، وإن كان لا يجوز له الإخلال بالألفاظ التي هي لها كالحلل والمعارض،