فيه شيء معقول. ولاحاجة بعد هذا البيان الذي غر دحاديه، وطرب سامعه في هذا المكان، إلا قلة الصبر على النظر، وسوء العناية في طلب الحق، وإيثار الراحة بالراحة، وقطع أيام العمر بالتمني، وتوجيه التهمة إلى الحق، وتسليط الجدل على الاستنصار، والاعتماد على البهت والوقاحة، وإلا فإن الحق معرض لك، بل بارك عليك، بل نازل عندك، بل حاضر معك، بل متجلل بك موجود فيك، وإنما تؤتى من جفائك في الطلب وسوء العناية في التحري، لا من توارى الحق عنك، ولا من اشتباهه عليك، وليس مع الجفاء والعنف وصول إلى الحق، ولا مع الرفق يأس من الحق، ألحق أسبق إليك منك إليه وأعطف عليك منك عليه وأرأف بك منك به وأظهر فيك منك فيه وكان وفياً بهذا الباب قيماً عليه، وسقط عني شيء كثير مع هذا كله، وفيما حصل تعلل؛ وعلى الله التمام.
المقابسة الواحدة والعشرون
في أن فضيحة حسيب لا أدب له أفظع وأشنع
من فضيحة أديب لا حسب له
سمعت أبا سليمان يقول: فضيحة حسيب لا أدب له، أفظع وأشنع من فضيحة أديب لا حسب له.
فقال: ابن الوراق النحوي: ولم ذاك؟ فقال: لأن هذا عدم ما يقوم نفسه ويكمل ذاته، وذاك فقد ما يقوم أصله ويستر قديمه، والنفس أرفع من الأصل، لأن الأصل راجع إلى الولادة، والنفس دالة على النقص والزيادة، نعم، وعلى الشقاء والسعادة،