سمعت ابن مقداد يقول: لا بد في وضع الناموس الآلهي الذي يتوجه به إفاضة الخير، وترتيب السياسة، وما يورث سكون البال، ويحسم مواد الشر، ويوطد دعائم السنن، ويبعث على تشريف النفوس وتزيين الأخلاق، ويقرب الطريق إلى السعادة المطلوبة، ويواصل أسباب الحكمة، ويشوق الأرواح إلى طلب الحق وإيثار العقد، ويقدم دواعي العدل والنصفة والرحمة والمكرمة من الأخبار التي تنقسم بين ما هو صدق محض، وبين ما هو صدق ممزوج، وتكون الألفاظ التي تدور بها، واللغات التي ترجع إليها، كثيرة الوجود، سمحة عند التأويل، وإنما وجب ذلك لأن الناس في أصل جبلتهم وبدء خلقهم وأول سنخهم، قد افترقوا مجتمعين، واجتمعوا مفترقين، واختلفوا مؤتلفين، وائتلفوا مختلفين، وإحساسهم متوقدة، وظنونهم جوالة، وعقولهم متفاوتة، وأذهانهم عاملة، وآراؤهم سائحة، وكل منهم منفرد بمزاج وشكل وطباع وخلق ونظر وفكر، وأصل وفرع واختيار وإلف وعادة، وضراوة ونفرة، واستحسان واستقباح، وتوق ووقفة وإقدام وجسارة، واعتراف وشهادة، وبهت ومكابرة. هذا سوى أعراض كثيرة مختلفة لا أسماء لها عندنا خالصة، ولا صفات متميزة.
قال: ومصل هذا كمثل رجل أصلح طعاماً كثيراً واسعاً مختلفاً من كل لون وجنس ومذاق ورائحة ووضع وقصد وحرارة وبرودة، وحلاوة وحموضة، ونصبه على مائدة واسعة عظيمة، فجمع ذوي عدد جم، فمتى