من أجل عارض في بابها، وهو أشد الناس انحلالاً فيها، وأظهرهم اختلالاً عليها. فكأن ما يقوله أحدهم ذاماً ومادحاً، هو غير ما ينبغي أن يأتيه أو يتركه مجتنباً.
وكان أبو سليمان يقول: كثير من أخلاق الإنسان تخفى عليه، وتطوى عنه؛ وذلك جلي لصاحبه وجاره وعشيره. وهو يدرك أخفا من ذلك على صاحبه وجليسه ومعامله وقريبه وبعيده، وكأنه في عرض هذه الأحوال عالم جاهل، ومتيقظ غافل، وجبان شجاع، وحليم طائش. يرضى عن نفسه في شيء هو المغتاظ على غيره من أجله. قال: وهذا كله دليل على أن الخلق في وزن الخلق وعلى نساجه، يعسر منه ما يعسر من هذا، ويسهل من هذا ما يسهل من ذاك.
قلت له عند التفاف الكلام في هذا الحد: ما الخلق؟ قال: شعار.
قلت: فما المحمود منه؟ قال: ما أنشأته النفس الفاضلة في ذي المزاج المعتدل.
قلت: فما المذموم منه؟ قال: ما توريه الطبيعة في ذي المزاج المتفاوت.
والكلام في الأخلاق مطرب، وكل هذا الكتاب فيها، ولهذا ما يجب أن يخطى، وإن أمكن عدت إليها في أثناء غيرها. فالغرض كله تقديرها بالقسطاس، وتطهيرها من الأدناس، التي عليها جمهور هذا الخلق.