للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فبهذا تسعد وبه تدرك بقاء الأبد. مت بالطبيعة قامعاً لها، تحي بالنفس رفيعاً بها. لا تستشر العقل ملتطخا بأوساخ الطبيعة، فإنه يعافك ولا ينصحك، ولكن توجه إليه طاهراً من كل دنس، عارياً من كل فساد، ثم اسمع منه فإنك لا ترى إلا الرشد ولا تجني إلا الغبطة. الاختيار مركب من قوى النفس والطبيعة، ولذلك كان معنى الانفعال فيه بالواجب أظهر من معنى الفعل منه بالإمكان، لأنه في انتسابه إلى النفس ذو صورة، وقيامه بالطبيعة ذو هيولى، وعلى هذا فنونه الأفعال كلها إلا ما بان في أوليته عنها.

وفي هذا الكلام إشباع لعله يقع في موضع آخر.

المقابسة الثالثة والستون

في سبب عدم صفاء التوحيد في الشريعة من شوائب الظنون

قلت لأبي سليمان يوما: لم لم يصف التوحيد في الشريعة من شوائب الظنون وأمثلة الألفاظ، كما صفا ذلك في الفلسفة؟ وقد سمعناك تقول غير مرة: إن الشريعة إذا كانت حقاً لا تكون كذلك إلا بقوة الآلهية وبعائد النمط الذي قد ورد وانتشر وصار عقد الدهماء ونحلة الجمهور، وحتى صار في غمار هؤلاء من يشبه التشبيه الفاحش، ويشير إليه الإشارة الخفية؟

فقال في الجواب: قد قلنا مراراً في المذكرات التي سلفت، والمعاني التي سنحت وعرفت، إن الكلام الذي يراد به إستصلاح العامة، واستجماع الكافة، لا بد أن يكون مرة مبسوطاً، ومرة موجزاً، ومرة مستقصى بالإيضاح والإفصاح، ومرة مجموعاً بالرمز والتعريض، ومرة مرسلاً على الكنانة والمثل، ومرة مقيدا بالحجج والعلل، وعلى فنون كثيرة لا وجه

<<  <   >  >>