والغبطة، ومشاكهة ما لا يزول ولا يحول ولا يبور ولا يحور، ولا يصل إليك شيء إلا ممزوجاً، ولا تضل إلى شيء إلا مكدوداً، لأن الواصل إليك من العلو يخرق حجباً يتشبث به ما يمر به ويتعلق هو ما يجتاز عليه، وأما الكيف الذي يصحبك فلأنك في مركز يتطاول إلى المحيط. وهذه حال خطر وغرر إلا أن يكون الجد صاحبك، والتوفيق كافلك. أنت سماء فيك كواكب تزهر، وأرض فيك يجور تزخر، وهواء فيك رياح تهب، وجبل فيك عيون تنبع. أقصد بكثرتك قلة، وبقلتك توحداً، وبتوجهك بقاء سرمداً، لا راحة لمخوف دون الأمن، ولا دعة لراج دون المطلوب، ولا سكون لمحتاج دون الغني، ولا غري
دون درك المنى. ما أجهد الطبيعة في غمر البلاء بك. ما ألطف النفس في إهداء النصيحة إليك، وما أشرف العقل فيما يجود به عليك، افرج عن الطبيعة يفرج عنك. أي لا تسمح لها بالهواء فإنها لا تعتدل، الطبيعة تستهوي ذا اللب الوافر، وتخدم الحازم الموفور، وتفل غرب المدل الجسور، لها في البدن صلاح وفساد، فقط، إذا اعتبرت أفعال الله وجدت القدرة في وزن الحكمة، والحكمة في وزن القدرة، وفي بعضها تجد القدرة والحكمة خافيتين، وفي بعضها تجدهما ظاهرتين، فلهذا وأشباهه أشكلت المطالب، وثارت الشبه، واختلفت الطرق والمظان، وصار الباحث وإن كان حريراً نقاباً يزل من شق إلى شق، ويميل من جانب إلى جانب، ولو استتب بالبحث على جدده، واستتب القول في صدده، كان العرفان على قدر الوجدان، والبيان على قدر العرفان، إنما أشكل المطلوب لأنك أردت أن تجد بالحس ما لا يوجد إلا بالعقل، وتجد في العقل ما لا يوجد في الحس، ولو رتبت كل شيء موضعه ووفيته، لم يسم المطلوب أن يكون يقيناً، ولم يسم اليقين أن يكون مظنوناً، إلا بعكس حدك في ترتيبه. واحفظ نظامك منه فإن تمامك به. أحي بالطبيعة غير بطر، وتصفح بالنفس غير ملون، ونل بالعقل كل ما تريد،