قلت لأبي سليمان: ما الفرق بين طريقة المتكلمين وبين طريقة الفلاسفة؟ فقال: ما هو ظاهر لكل ذي تمييز وعقل وفهم، طريقتهم يعني المتكلمين مؤسسة على مكايل اللفظ باللفظ، وموازنة الشيء إما بشهادة من العقل مدخولة، وإما بغير شهادة منه البتة. والاعتماد على الجدل، وعلى ما يسبق إلى الحس أو يحكم به العيان، أو على ما يسنح به الخاطر المركب من الحس والوهم والتخليل مع الإلف والعادة والمنشأ وسائر الأعراض التي يطول إحصاؤها ويشق الإتيان عليها، وكل ذلك يتعلق بالمغالطة والتدافع وإسكات الخصم بما اتفق، وإتمام القول الذي لا محصول فيه ولا مرجوع له، مع بوادر لا تليق بالعلم، ومع سوء أدب كثير؛ نعم ومع قلة تأله، وسوء ديانة، وفساد دخلة، ورفض الورع بجملته. والفلسفة أدام الله توفيقك، محدودة بحدود ستة، كلها تدلك على أنها بحث عن جميع ما في العالم مما ظهر للعين، وبطن للعقل، ومركب بينهما، ومائل إلى حد طرفيهما، على ما هو عليه. واستفادة اعتبار الحق من جملته وتفصيله، ومسموعه ومرئيه، وموجوده ومعدومه، من غير هوى يمال به على العقل، ولا إلف يفتقر معه إلى جناية التقليد. مع إحكام العقل الاختياري، وترتيب العقل الطبيعي، وتحصيل ما ند وانقلب من غير أن يكون أوائل ذلك موجودة حسا وعياناً، وكانت محققة عقلاً وبياناً، ومع أخلاق آلهية، واختيارات علوية، وسياسات عقلية. ومع أشياء كثير ذكرها وتعدادها، ولا يبلغ أقصى ما لها من حقها في شرفها.