فقال: صدقتم، واعلموا أنه إذا لحظ استيلاء الطبيعة عليهم، وغلبة آثارها فيهم، في الرأي المعتقد، والسيرة المؤثرة، فأكثر ذلك باطل، لأن سلطان العقل في بلاد الطبيعة غريب، والغريب ذليل، وإن لحظ حكم العقل ما يجب به، ويليق بجوهره، ويحسن مضافاً إليه، فأكثر ذلك حق، كان الملحوظ رأياً وسيرة وعادة أو خليقة، وعلى حسب هاتين القبيلتين يكون القضاء، ويقع الحكم، والحق لا يصير حقاً بكثرة معتقديه، ولا يستحيل باطلاً بقلة من تحليه، وكذلك الباطل، ولكن قد يظن بالرأي الذي قد سبق إليه الاتفاق من جلة الناس وأفاضلهم أنه أولى بالتقديم والإيثار، وأحق بالتعظيم والاختيار، لأنه يكون مقوماً بالبحث، وجبوراً بالفكر، مصقولاً على الزمان، تلمسه كل يد، وتجتليه كل عين، ويصير ثباته على صورته الواحدة، دليلاً قوياً وشاهداً زكياً على حقيقته، لأنه يبرأ حينئذ من هوى منتحله ويعرى من تعصب ناصره، ويبقى بصورته الخاصة، ويحرى مجرى السكينة التي لا تحتاج إلى علاج المعالج، وتمويه المموه، وانتقاد المنتقد، وتنفيق المنفق، وحيلة المحتال.
المقابسة الثامنة عشر
في قول الإنسان حدثتني نفسي بكذا وكذا
سألت أبا زكريا الصيمري عن الإنسان يقول: حدثتني نفسي بكذا وكذا، وحدثت نفسي بكذا وكذا، هذا، فإني أجد الإنسان ونفسه كجارين متلاصقين يتلاقيان فيتحدثان؛ ويجتمعان فيتحاضران، وهذا يدل على بينونة بين الإنسان ونفسه؟