فقال: الإنسان إنما هو إنسان بالنفس، والنفس ما هو إنسان، والإنسان له صورة بحسب قبوله من النفس، والنفس نفس بحسب ملابستها للبدن وتصريفها له وتدبيرها فيه؟ فإذا قال الإنسان: حدثتني نفسي أو حدثت نفسي، فإنما ذلك لشعوره بشرف نفسه، بقد ما استفاد من صورتها الخاصة به واستنارة العقل عليه، هذا إن كان الحديث مواتياً للحق، آخذاً بقسطه منه، وإن تكن الأخرى دخل الفساد من ناحية المادة والخلط والمزاج والقابل، ألا ترى أنك لا تقول: حدثني عقلي بكذا وكذا، ولا حدثت عقلي بكذا وكذا؟ لأن أفق العقل أعلى، وعالمه أرفع، وأثره ألطف وأنقى، ونسبه أشرف وأسنى، والإنسان متقوم بالنفس حتى إذا لحظها بعينه التي له منها ساغ له أن يحدثها ويحدث عنها ويحقق بناءها وحالها! وهي العقل بوجه آخر، والعقل هي بوجه آخر، ولكن العبارة عن هذه الخفيات قاصرة، وإن كانت النفس بها مستنيرة، فعلى هذا الإنسان يحدث نفسه بما يغلب منها، وتحدثه نفسه بما يغلب عليها منه، وهو هي وهي هو، ولكن بنوع ونوع، وحال وحال، واسم واسم، وملخوص وملخوص، وتقريب وتقريب.
وهذه معان اختلست من مذاكرات هؤلاء المشايخ فلم يمكن أن تورد تامة مستقصاة، لأن الكتب التي توضح هذه الحقائق موجودة، ومن يشرح مشكلها ويفتح مستغلقها حاضر، فليكن التعويل في بلوغ غايات هذه الواضع على العلماء والكتب والقرائح.