فقال: الترتيب في القسمة الصحيحة يضاعف هذا ويزيد عليه، وذلك أن لنا أشياء كثيرة في هذا الباب، أولها محسوس، ثم محسوس معقول، ثم معقول بحت، ثم معقول محسوس.
فأما المحسوس البحت، فما للبهيمة وما يجري في حكمها.
وأما المعقول المحض، فما للفلك بأسره.
وأما المحسوس المعقول، فما يتخيله الإنسان الذي لم يصف بعد.
وأما المعقول المحسوس، فما يدركه النظر بالبحث. وكلما أمعن في هذا بلغ إلى عالم الأجرام الناطقة الحية التي قد غنيت عن الحس بفضل ما لها من الفيض الدائم.
قيل له: فماذا يبلغ؟ قال: قد قلنا مراراً بأن تستنير نفسه بالمعارف الصحيحة، وتعتدل سيرته على الطريقة العقلية، وتطهر أخلاقه من الأوساخ الطينية، وتنفذ قوته في الأمور العالية.
قيل له: فلم استغنى في نهاية المعقول عن الحس، ولم يستغن في نهاية الحس عن العقل؟ فقال: لأن المعقول في نهايته حس، والحس يحتاج إلى ما ارتفع إليه، ولا بد من حس يبين به الخلق في العموم، ولا بد من عقل يوصل به إلى الباري على الخصوص. والحس رائد، ولكنه يرود لمن هو أعلى منه، والعقل