قيل له: فلم كان الموت على هذا أولى بالإنسان من الحياة؟ فقال: لأن الموت طبيعي، وكل طبيعي لا محيص عنه. وإنما أطلقت الكلام الأول لأنك ترى من نجا من الموت بشيء، به يخلص غيره إلى الموت! فلو أستطيع حصر هذه الأبواب: ما به يموت من يموت في عدد ما به يحيى من يحيى! ثم قال: وها هنا موت طبيعي معرف به، وفي مقابلته حياة طبيعية؛ وهكذا أيضاً هاهنا موت عرضي، وفي مواجهته حياة عرضية. فالموت الطبيعي قد قامت منه الشهادة من الكافة. فأما الحياة الطبيعية فحياة العقل بالمعقول، والموت بالعرض ألجهل الشائع في الإنسان. وأما الحياة العرضية فحس الإنسان وحركته بسلامة بدنه، وسكون أخلاطه، وقوة طبيعته، وتصرف سائر ما هو مركب من جهته. ثم قال: ومن فتح الله بصيرة عقله ولحظ هذه الحقائق، ترقى في درجات المعارف، وسلاليم الفضائل، وانتهى إلى أفق الروح والراحة، ونجا من هذه المعادن التي هي معادن العطب والتلف، ومساكن الآفات والهلاك.
وتفجر في هذا الفصل بكل كلام شريف، وكل موعظة حسنة، وكان من القادرين على أمثاله، وممن قد أيده الله بتوفيقه ومعونته.
المقابسة التاسعة
في ولوع كل ذي علم بعلمه
ودعواه أن ليس في الدنيا أشرف من علمه
سأل أبو محمد الأندلسي النحوي عيسى بن علي بن عيسى الوزير وأنا عنده فقال: