مستريد، لكنه يستريد ممن هو دونه، فوردت العلة في الأصل والفرع، اصل الوجود وفرع العدم مزاجه، انتهت الحال تامة إلى مالا يعرفه الجاهل عمى، ولا يدركه استحساراً، ولا يناله المترف كسلاً، والسلام.
المقابسة التاسعة والعشرين
في أن الفاعل الأول هو علة المحسوسات والمعقولات
سمعت النوشجاني يقول: قد وضح بالعبرة الصحيحة، والتصفح الشافي، والنظر البليغ، أن الفاعل الأول هو علة كل ما يرى ويوجد ويعقل ويحس لا قصد له في أفعاله، ولا غرض، ولا مراد، ولا اختيار، ولا روية، ولا توجه، ولاعزيمة، ولا معالجة، ولا مباشرة، ولا مزاولة، ولا محاولة فقال له بعض الحاضرين: لو أيدت هذا القول ببرهان ساطع، أو بدليل مقنع، كنت قد شيدت ما أسست، وقويت ما بنيت؟ فقال: إن هذه كلها دخلت أفعالنا لعجزنا وفسولتنا، وانحطاطنا وضعفنا وتهافتنا وتحولنا، وتبدلنا وسيلاننا، وجبرت مكاسر نابها، وتمت نواقصنا بمواصلتها، وانسدت مفاقرنا باستعمالها، فأما الباري الحق الذي هو واهب كل كامل كماله، وجابر كل ناقص نقصه، فهو علي عن الأغراض والعلل والمسالك.
قال له السائل: فكيف اتفقنا على أنه منعوت بالحكمة، وأفعاله على ما زعمت؟ وكيف يبان عن هذا ويتحقق حتى يخلص من خوائن اللحظ والقلوب، وسرائر اللفظ من الألسنة؟