فقال له البخاري: فعلى هذا أفدنا كلاماً في التوحيد؟ فقال: أما من اعترف بالوحدانية ثم شبه فقد ارتجع ما قال، ونقض ما اعتقد. وأما من ذكر أكثر من واحد فقد ضل عن الحق كل الضلال. وأما من أشار إلى الذات فقط بعقله البري السليم، من غير تورية باسم، ولا تحلية برسم، مخلصً مقدساً، فقد وفي حق التوحيد بقدر طاقته البشرية، لأنه أثبت الآنية، ونفى الآنية والكيفية، وعلاه عن كل فكر وروية.
ثم قال: لقد أحسن من قال: إن حاولت وصفه فات فوتاً بعيداً، وإن أزمعت جحوده بان فيك موجوداً مشهوداً.
وكان ذيل الكلام أطول من هذا ثمرته خوفاً من جناية اللسان في الحكاية، ونزوة القلم في الكتابة، وإيثاراً للحياطة فيما يجب على الإنسان إذا نشر حديثاً، وروى خبراً، وأثار دفيناً، وأوضح مكنوناً. خاصة إذا كان ذلك في شيء غامض، ومعنى عويص، ولفظ مشترك، وغرض متوزع، ينبو عنه كل قول فان، ويتجافى عنه كل نازع وإن أغرق.
المقابسة الرابعة والستون
في أن الحق لم يصبه الناس في كل وجوهه
ولا أخطاؤه في كل وجوهه
سمعت أبا سليمان يقول: قال أفلاطن: إن الحق لم يصبه الناس في كل وجوهه، ولا أخطأوه في كل وجوهه، بل أصاب منه كل إنسان جهة. قال: ومثال ذلك عميان انطلقوا إلى فيل وأخذ كل واحد منهم جارحة منه فجسها بيده ومثلها في نفسه، فأخبر الذي مس الرجل أن خلقة الفيل طويلة مدورة شبيهة بأصل الشجرة وجذع النخلة، وأخبر الذي مس