في المنام جميع ما تجوزه في اليقظة إلا التركيب، لأن التركيب ورث في الطبيعة في قابل، وفي آثار النفس أيضاً تركيب ولكن الآهي، ألا ترى التحاب في العدد والتباغض والتكعيب والتثليث إنما هو من فنون التركيب ولكن بنوع خارج من آثار الطبيعة في المواد المنقادة حتى إذا علوت من هذه الربوة إلى اللوائق بالعقل وجدت هناك أموراً يضل عنها وصف اللسان ورصف البيان، ولهذا الفعل خصوصية ليس بعدها سعي ولا دونها رضى جعلنا الله وإياك من صفوته بجوده وقدرته.
المقابسة الثالثة بعد المائة
في أن الأشياء التي توجد بالعقل وبالحس كلها اتبعت العلل
قلت لعيسى بن زرعة أبي علي، وابن عبدان الطبيب حاضر: أنا شديد الحرص على معرفة شيء قد طال تخلجه في صدري مع مواصلة مسألتي عنه وحسن استفهامي لما فيه. فقال: ما هو؟ قلت أريد أن أعلم أن الإشياء التي نجدها بالحس والعقل كلها اتبعت العلل والعلل الأشياء؟ فقال لي: من أين ثارت عليك هذه المسألة؟ فقلت: رأيت جالينوس في منافع الأعضاء يذكر أموراً ويكشف دقائق وينثر عجائب وينشر حكماً جليلة، ولعمري إن ما خلده في ذلك الكتاب وقاله واستنبطه يكاد يكون عن وحي وإلهام فضلاً عن غير ذلك! فمما نزع إلى هذا البحث أني رأيته يصف العين ويذكر مكانها من الإنسان وأنها كالربيئة له والطليعة، وما دانا هذا وجرى معه، وذكر أيضاً الإحتياط في العين لكثرة آفات هذا العضو خاصة. فقيل له لو وجدت إحدى العينين في نقرة القفا والأخرى في وسط الجبهة لأمكن أن يقال جعلنا إحدى العينين من خلف لتكون وقاية وحراسة مما يكون هناك