ويحدث ويذكر الضرر الذي يعرض من تلك الجهة، فكأنك أيها الحكيم لما وجدت هذه الأمور على ما نظمت به وعنيت أثرت منها هذه الأغراض من المعاني بفضل عقلك وقوة بيانك ولطف إشارتك، فكأن الأشياء تابعة للعلل على هذا، والمتبع بمقالتك يقتضي أن العلل تابعة للأشياء، ليس الأشياء تابعة للعلل، بدليل ما ضربنا من المثل، لأنك هكذا وجدتها فعلى ما وجدتها بينتها ولو وجدتها على غير ما هي عليه لكان استنباطك على ما كنت تجدها عليه بفضل فحصك واستقرائك، فعلى هذا عللك التي شرحتها وحكمك التي استخرجتها تابعة لا موجبة؟
فقال في جواب ذلك ما أحكيه على قصوري عنه، وكان ابن عبدان الطبيب ينصر ما يقوله ويرتضيه، ولقد اضطرب على كثير مما قال. زعم في أول الجواب أن للمسألة غوصاً وأنها معروفة عند الأوائل، وقد أوسعونا فيها كلاماً كثيراً في الكتب معروفة، وأقول في هذا المكان ما يكون مقنعاً إن لم يكن كافياً: إن الأشياء التي من شأنها أن تكون معلولة هي تابعة لا محالة لعللها وإن اختلفت سبلها في اتباعها كما اختلفت أحوالها في كونها وفسادها والعلة ما دامت علة فإنها تقتضي شيئاً خاصاً، والشيء ما دام مقتضياً فإنه يتبع علته الخاصة به، وهي مع ذلك موجودة معه لا على معنى القران ولكن على معنى الوجوب، فقد قضى العقل أن مرتبة التابع دون مرتبة المتبوع، ودرجة المتبوع فوق درجة التابع. والعلل بنظر ما على ضربين: علل موضوعة، وعلل مصنوعة، والصناعة منقلبة للموضوع، لأن الوضع هو بالطبيعة في الأول، فإذا صحت هذه العبرة إنكشف أن الأشياء كلها عللها ومعلولاتها على وتيرة واحدة وسنن واحد في الوجود فمن العقل، وإن كانت موسومة بالتركيب بالعقل فالأشياء تابعة لعللها ما دامت العلل عللاً لها والعلة مستتبعة للأشياء ما دامت تابعة لها، فالإتصال بين العلل والمعلول