إتصال آلهي لا فضل له ولا بينونة فيه، وهذا كله إذا لحظت مبدأ الوجود بحسب حدك ونظرك واستخراجك، فأما ما عليه العلة في وجودها وما عليه المعلول في وجوده معلولاً، فأمر لا يتميز إلا بالترتيب الذي تكرر القول فيه. فجالينوس قد هجم بنظره وفحصه على علتين: إحداهما موضوعة لذلك ومطبوعة على ذلك، والأخرى يدنيها منها وضيفها إليها ويشبهها بها اقتداراً بالعقل البشري وتصرفاً بالقياس الأنسي، وإثارة للحكمة الآلهية، واستنارة بالحال التوحيدية. فالعلة الأولى طباعية، والأخرى صناعية. والقياس المشار إليه من الأولى برهاني، والقياس المدلول عليه من الأخرى بياني، وإنمايفزع في وقت بعد وقت إلى ما هو دون البرهان، لأن خفايا الأشياء وأسرارها وزواياها في أعماقها كثيرة. والعقل الهيولاني لا يفني في هذا الجسم الجزئي كل الإضاءات ولا ترى كل ذلك. فلذلك ما ترى صاحب هذا العقل يطمئن مرة ويقلق مرة، لأن النفس تمر به كالبرق إذا استنار أو كالنجم إذا هوى.
قال: والكلام في هذا الباب أطول مما يظن قد تجلى بهذا القدر شيء يمكن أن يكتفي به مع التخليص فيه. وأعدت هذا بعد على أبي سليمان فقال لي: قد تجد علة في شيء من الأشياء تكون ذاتية فلا ثمرة لها عندك إلا أن تعرف أنها كذلك فقط، وقد تجد علة أخرى لشيء آخر ولا تكون ذاتية له لأن أخرى تزاحمها، إلا أن العقل يرتع فيها وينبسط في استنباط الحكمة منها. والحال الأولى من العقل شبيهة بما في العقل، وكل ما في القوة فليس للعق منه إلا الأينية والكمية والكيفية. ثم قال: فعلى هذا التأسيس الأشياء تابعة للعلل لأنها معلولاتها، والعلل مستتبعة للمعلولات لأنها علل لها. وهذا بشرح العقل لا بترتيب الحس، ولا يتجرد لحظ العقل إلا بشركة من المعلول. وإذا علوت عن هذه قليلاً لم تجد ما ينبغي أن يعطي حد العلة ولا حد المعلول. وإذا علوت عن هذه قليلاً لم تجد ما ينبغي أن يعطي حد العلة ولا حد المعلول، وإنما ترسم هذه الأسماء والألقاب ما دامت تتصفح الأمور وتقيس بعضها ببعض، وتستعمل أسماءها وتثبت صفاتها، ولو خلص النظر من هذا كله