قال: سمعت شيخنا أبا سليمان يقول: معارف الناس بالقول المجمل على التقريب تنقسم أصولها إلى الظن والوهم، والحدس والعقل، واليقين والشك، والغالب والسابق، ولا إيهام والايجاس والخاطر والسائح واللائح، ثم إن هذه كلها تتخالف مرة وتتلابس مرة، وتراآي مرة وتتوارى، ولن يخلص مطلب من المطالب، ولا مذهب من المذاهب، من شوب مثلها، على قدر القلة والكثرة، والضعف والقوة، واللين والشدة، وعلى حسب المزاج والهيئة، والخلط والطبيعة، والمنشأ والعادة، وعلى ما يعجب الإنسان من استبداده أو تقليده؛ ولو خلص مظنونه من موهومه، وتميز محسوسه من معقوله، وانفصل معلومه من مجهوله، وبان ملتمسه من هواه، لكان لا يدخل الظنة في العلم، ولا يدب الحس في العقل، ولا يتفشى العقل في الحس، ولا يكدر الحق بالباطل، ولا يصفو الباطل بالحق، ولتوضحت الأشباء بأعيانها، ونقيت من أدرانها، وزال شك الناظر في أثنائها، ووقع على حقائقها وأنبائها، وعاد ثلج الصدر باليقين، معمور النفس بالسكون، غنيا عن تأليف القياس والبرهان، وتصنيف فنون القول والبيان؛ ولكن الإنسان مضروب بالظن والحدس، ومصنوع بالعقل والحس، ومردد بين النقص والزيادة، ومعرض في كل وقت للشقاوة والسعادة، لا فكاك له من جميع ذلك ما دام في مسكه الطبيعي، وعقله الجزئي، وجهله الكلى. اللهم إلا أن يلبسه الله لباس الرحمة، وينشيه غشاء العصمة، فحينئذ إن قال قال الصواب، وإن فعل الواجب، وإن اعتقد اعتقد