سمعت أبا سليمان يقول: لو لم يكن في النوم من الحكمة إلا أنه شاهد على المعاد لكفى، دع مافيه من راحة الأعضاء، وسكون الجرم، واستجلاب القوة إليها بعد العياء والكد، ولو كان النوم حالاً مصمتة لا شعور لصاحبها بها من أولها إلى آخرها لكانت الوحشة داخلة، والشك قائماً، والتهمة واقعة ولكنها حلا يتزود الإنسان منها أموراً غريبة وأحوالاً عجيبة، ويتلقف منها غيباً كثيراً، ويستقبل منها عياناً ظاهراً، فهل هذا الرمز من اليقين إلا على ما سلف القول فيه من ثبات النفس على حال واحد لا تنام والنوم شبيه بالموت؟ فإذاً لا تموت، لأن الموت شبيه بالنوم؟ فالحالان جميعاً قد زالتا عنها وحطتا دونها.
وفاتحة هذه المقابسة مدخولة، ولكن الشيخ كذا قال: والإعتراض عليه مع علو رتبته في الحكمة وجميل ظننا به في الإجابة والإصابة، ليس من حقه علينا ولا مما يجمل في الحال التي تجمعنا، أعني أنه كان الأولى أن يقول: لو لم يكن في النوم من الحكمة إلا أنه راحة لأبداننا، وجمام لأرواحنا وتخفيف عنا أثقال ما عملنا في اليقظة بضروةب التصرف واصاف الحركات لكفى. دع مافيه من الشاهد على المعاد الذي تعنه نبحث مجتهدين، وعليه نكون مضطرين، ومن أجله ننفث ما في صدورنا متروحين، وما أحق أكرمك الله هذه الغاية بالسعي إليها والتشمير لها، وبذل كل موجود ومذخور دونها، والإستعانة بكل صاحب وقريب فيها،