واستخلاص الروية في تحصيل حقيقتها، ورفض الراحة والدعة عند فرصة تلوح من ناحيتها، وبالحق وجب هذا الإجتهاد والإحتشاد، وهذا الفرق وهذا التحفظ والتيقظ، وهذا التباري والتحارس، وهذا التنادي والتنافس، وهذا الغدو والرواح، وهذا التثبت والسياح، لأن الإنسان في هذا العالم وإن بلغ المنتهى في أماني نفسه من كل علم كالهندسة والحساب والنجوم والطب وسائر أجزاء الفلسفة، وكذلك إن اشرف على غاية كل علم ويعرف منقلبه، وكذلك أيضاً إذا بلغ في الدنيا كل حال علية، وكل دولة سنية، من المال والثروة واليسار والعزة والأمر والنهي والتأييد على أصناف البرية، ونيل كل شهوة ولذة، وبلغ كل إرادة وأمنية، فإن آخر ما يقترحه أن يقف على ما يتحول إليه ويصير مرتهنا به ومفكوكاً منه، فقد صار النظر ف يهذه الخاصة والخالصة من أشرف ما في قوة الإنسان وأعلى ما في همته وأعظم فوائده، ولغبة هذا المطلوب على جميع الخلائق حاموا حوله، ورادوا مراداه، ووردوا شرائعه، وسلكوا شوارعه، وعلوا روابيه، وخاضوا سوابيه ودوابيه، حتى اتفقوا على إثبات هذه الغاية لشدة حاجتهم إليها وتوقد حسرتهم عليها. هذا مع اختلافهم في تحقيقها على ما ينبغي لها حتى هتف قوم بما ألقى على السنة الأنبياء، وهينم قوم بما رأوه من التناسخ في الأدوار، وتخافت قوم آخرون بأمور تبهرجها معوز، والإطناب في إحصائها متعب. فاستخلص أكرمك الله نيتك وعزيمتك في البحث عن هذه الغاية مع الرفق الذي كل من لابسه وصل به إلى ما طلب منه، فإن المكث تحت هذا السقف على هذا الظهر يسير، والتنقل وشيك، ولاحاجة إلى الزاد ماسة، والعائق مع هذا كله عظيم، والتناصر مرفوض ولولا لطف الله الذي به تماسكت السموات والأرض وانتظم كل ما بعد بالحس والعقل، لكان اليأس يغلب ويستولي، والقنوط يستحكم ويستعلي.