الذي نصرناه والمعنى الذي اجتبيناه، أن الكتب السماوية وردت بألفاظ منثورة، ومذاهب مشهورة، حتى إن من اصطفى بالرسالة في آخر الأمر غلبت عليه تلك الوحدة، فلم ينظم من تلقاء نفسه، ولم يستطعه، ولا ألقى إلى الناس عن القوة الآلهية شيئاً على ذلك النهج المعروف، بل ترفع عن ذلك، وخص في عرض ما كانوا يعتادونه ويألفونه، بإسلوب حير كل سامع، وبرد غلة كل مصيخ، وأرشد كل غاو، وقوم كل معاند، وأفاد كل لبيب وأوجد كل طالب، وخسأ كل معرض، وهدى كل ضال، ورفع كل لبس، وأوضح كل مشكل، ونشر كل علم، وأقاد كل شارد، وقمع كل رديء وهذا لا يكون، ولا يجب أن يكون إلا في الشخص المخصوص الذي يؤهل لنظم الكلمة المنتثرة، بإظهار الدعوة الغريزية في أيام السعادة المنتظرة بين خير أعوان. ثم يكون لهذا كله زمان محدود ينتهي إليه على السياح الأول مع العوارض التي تختلف من عجائب الزمان وأفانين الدهر، فإذا كان كذلك كر على سالفه بتجديد شأن شبيه بالدارس إلى أن تعود نضرته المعهودة فتزول خلوقته العارضة.
المقابسة السادسة والستون
في حكم بعض الحكماء
وفي بيان حال العالم غير العامل
نعود في مقابسة أخرى إلى أشياء لأبي سليمان فنأتي بها على وجهها ونذكر في هذه حكما سمعناها من الحراني أبي الحسن وغيره، فقد كانت المجالس لا تتصرم إلا عن فوائد كثيرة فلسفية وغير فلسفية.
قال الحراني: قال بعض السلف من الحكماء الصلحاء والفضلاء: العلم