سأل أبو سليمان يوماً الطبيب المعروف بفيروز: فلان ملء العين والنفس، ما معناه؟ فقال فيروز: لا أدري فإن شئت أن تصدق علينا بفائدة؟ فإن زكاة العلم أوجب على ربه من زكاة المال على صاحبه.
فقال أبو سليمان: هذا سهل جداً، وما أحب أن يقال هذا، فإنه يدل منك على عجز قد محاه الله عنك، وعلى ملق قد رفع الله منه قدرك.
فقال فيروز: ما أحوجني إلى أن أملك رضاك باتباع أمرك، وأبلغ إرادتك فيما يشرفني بالطاعة لك، وما أنضاءل العلم إلا للعلم، لا أتملق إلا لأهله وليس بعد هذه المراجعة المحمودة إلا إسعاف بما في طي المسألة؟
فقال: معنى قولهم: فلان ملء العين والنفس أي يجمع بين المنظر المقبول بالعين إذا نظر إليه، وبين المخبر الممدوح باللسان إذا أشرف عليه. وكان هذا كالزجر من الناس بالفرق بين الشخص والنفس، فإن أحدهما إذا لابسه الآخر كمل الإنسان بهما، وإذا أخطأه أحدهما كان نقصه من جهته، وإذا لم يكن من النقص بد فلأن يكون من قبل ما للعين أولى، أعني أن يكون الإنسان ملء النفس إذا لم يكن ملء العين، لأنه إذا كان ملء النفس غير ملء العين كان روحاً كله لطيفاً وديعة، وإذا كان ملء العين غير ملء النفس كان بدناً كله كثافة وغلظاً، وكان أحدهما نصيبه من الهيولى أكثر، والآخر قسمه من الصورة أوفر، فإذا ائتلفا كان الكمال المطلوب. وإنما قيل في اللغة العربية هذا ملء هذا أي ملاؤه، ومنه الملاوة ومنه الملأ والملا والملا، والإشتقاق