حال مشهودة، وتسلى عن كل غاية محدودة، ومذ ضرب الزمان بالإسداد دون هذه الرياض والأنوار، كبا كل زند؛ وخاب كل أمل، وخبت كل جمرة، وكل كل حد، وحتى لو أعدنا النظر في هذا القدر المذكور دارسين، لخرجنا منه عارين، وانقلبنا من الخاسئين، وإلى الله الشكوى فهو المعين.
المقابسة السادسة والخمسون
في مراتب الإضافة
قلت لأبي سليمان: أحب أن أسمع كلاماً في مراتب الإضافة التي هي مستولية في جمل حالاتها مثل قولي: هذا، وهذا لي، وهذا مني، وفي، وعلي، وإلي، ولدي، وعندي، وما ضارع ذلك؟ فقال: أما تعلم أن الإضافة في هذا الموضع كلها إلى الجزء الآلهي؟ لأن الإنسان محدود بأنه حي ناطق مائت، فالحي في أحد الطرفين في السكون والمائت في الطرف الآخر بالدثور، والحال المفروضة بين الطرفين تكون إنساناً، وهذا الاسم هو له بالحقيقة ما دام في الكليات، أعني الطبائع والعناصر والشمائل، وبه يكمل هذا النوع من الكمال، فإذا أضاف هذا الإنسان شيئاً إلى نفسه فإنما يضيفه إلى الآلة التي تستحق الإضافة كلها بالإطلاق، لأن مراتب الإضافة مختلفة من مرتبتين الحائط، وماء النهر، وسرج الدابة، إلى يد الإنسان، إلى فضل زيد، إلى ما لعمرو، إلى كوكب الفلك، إلى العلة الأولى. فمحار كل هذا إلى شيء واحد، ولكن الصوادر عنه متباينة، والقوابل منه مختلفة، وكيف كان ذاك فقد بان ووضح أن إضافة الإنسان