والفساد، وإغنى عن ضروب الاجتهاد والاستدلال، والروية ألصق بكمال الجوهر وأشد تصفية للطينة من الكدر.
ثم قال: والروية والبديهة تجريان من الإنسان مجرى منامه ويقظته، وحلمه وانتباهه، وغيبته وشهوده، وانبساطه وانقباضه، ولا بد من هاتين الحالتين، ومن ضعف فيهما فاته الحظ المطلوب في الحياة والثمرة الحلوة من السعي.
فقال: ليس حكمهما في اللسان أظهر من حكمهما في القلب، فإن للقلب بديهة بالسانح، وروية بالاستقرار، أحدهما في حيز الهيولى والثاني في حيز الصورة. ولما كان الإنسان متقوماً بهما كانت نسبته فيما يفرغ إليه على حد حصته فيما تأهل عليه.
ثم قال: على الإنسان حالات بحسب المواد الحاضرة والأسباب المؤثرة والقابلة، تعتدل بديهته ورويته فيها، أو يسبق أحدها ثم يستمر ذلك الاستمرار ولا يدوم ذلك السبق، وهما قوتان آلهيتان إلا أن إحداهما متصلة به والأخرى واصلة إليه، وليس كل متصل به ينفصل بسهولة، ولا كل واصل إليه يصل بسرعة.
ثم قال له في هذا الموضع أبو زكريا الصيمري: الكمال عزيز؟ قال له: أو تدري لم؟ قال: أفدنا أبقاك الله على عادتك ولا تندمنا نقصنا بمطالبتك.
قال: لأن الكون والفساد واسطة لهما، فالمقوم بها لا كمال له، لأن الكمال في الوسط لا في الطرف، ولكن ليس الرقي كالهوى، ولا الهبوط كالصعود، ولا ما يزان به مثل ما يشان به، ولا ما نعذب به مثل ما نثاب عليه، إنك لعلى جدد لو كان لي منك مدد.
واندفع في هذا وشبهه حتى فرق بينه وبيننا المساء، فسقى الله تيك الساعات التي كانت تتضمن بهذه الراحات، أنظر إلى بقاياها المرسومة بالخط، المدونة بالقلم، المحكية باللفظ، والله إن مساربها في النفس والعقل والروح كانت تنسي كل