للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعيداً، وتحرقت أسفاً، وتقطعت ندماً، وإن نعشت نفسك، وأخذت يدك بيدك، واستمررت في أمرك، واستترت بدائك، ورفضت كل كل عنك، وعرفت المراد منك؛ فزت فوزاً عظيماً، ونلت ملكاً ونعيماً، وبقيت بقاء لا انقطاع، وسعدت سعادة بلا شقاء، وصفوت وعلوت، وعرفت وأنفت، وقدرت وظهرت، ومجدت وشرفت، ولظتك عين الجود غامرة، واكتنفتك الخيرات ظاهرة وباطنة. واحداً لا ينقسم، وناظراً لا يغمض، وموجوداً لا يعدم، وبيناً لا يخفى، وشاهداً لا يغيب، وحاضراً لا يفقد، وعلانية لا تنكتم، ومتصلاً لا ينقطع، وحبيباً لا يقلى، ومعشوقاً لا يخفى، وموصولاً لا يبعد، وصاحباً لا يمل، ومجموعاً لا يفترق، وآمنا لا يخاف، وساكناً لا يقلق، وناطقاً لا يعيى، وصحيحاً لا يسقم. أمر يجل عن نعت الناعتين، وحال تعلو قول الواصفين، وشأن تدق على خبر المخبرين. فاجمع أكرمك الله بالقبول أطرافك، وشمر إلى الغاية ذيلك، وكن رقيباً على نفسك، فلا مشفق عليك سواك، ولا ناظر في أمرك غيرك، وعلى الدعاء والتلطف، وعليك الاجتهاد والسعي. فما بعد نصح الداعي وقبول السامع إلا نيل الأماني وبلوغ الآمال.

المقابسة الثامنة والستون

في أن الوسط فيه الطرفان

قال أبو سليمان: قال بعض الطبيعيين: الوسط فيه الطرفان، فإن الماء الفاتر توجد فيه الحرارة والبرودة. ثم قال: وهذا بيان قول الأوائل: الإنسان لب العالم، وهو في الوسط، لانتسابه إلى ما علا عليه بالمماثلة، وإلى ما سفل عنه بالمشاكلة. ففيه الطرفانِ، أعني فيه شرف الأجرام الناطقة بالمعرفة الإستبصار، ولا بحث والاعتبار؛ وفيه صفة الأجسام الحية الجاهلة التي

<<  <   >  >>