المادة وغلبة الهيولى، ولاختلاف النفوس بأصناف المزاج والتربية، وإما كيفية النفس وارتضاء العقل وإنارة الفكر، وكان من باب الحقائق واليقين والطمأنينة والسكون وروح البال وطيب النفس قائماً ذلك بمعونة العقل واتصال بحوره وغزارة فيضه وغلبة سنخه، وتعهد الباري الذي إليه ينتهي القول والوهم، وعنده يقف النثر والنظم، وعليه يشتد اللهف، والذي هو الكل المستولي على الكل.
المقابسة الثالثة والتسعون
في القول في قدم العالم وحدوثه
قال أبو سليمان: إنما عرض الاختلاف من الناظرين في العالم: أقديم هو أم محدث، لأمر لطيف. وذلك أن الناظر إلى المركز وجد الشيء الكائن ثم وجد الشيء الفاسد، فحكم أن الحدوث والقدم قد تعاقبا عليه، قدم بالزمان وحدوث أيضاً بالزمان فجاء الحكم بأنه محدث واجب، والناظر إلى هذه الأجرام العلوية وجد ما لا يكون ولا يفسد ولا يعتريه دثور، فحكم بأنه قديم، وكان النظر أن صحيحين من الجهتين المختلفتين، والشرف على الحقائق وهو الذي يقضي بالواجب لأنه ينسى السفلي إلى العلوي، أو يبتدئ النظر من العلوي إلى السفلي، فعند هذا التصفح والإستبانة يحكم بالحق ويقول: قديم بالسوس حديث بالتخطيط، وكيف لا يكون كذلك وآثار الصورة فيه ظاهرة، وآثار الهيولى فيه حاضرة، فآثار الهيولى هي التي درست وعفوت وبادت وانتشرت، وآثار الصورة هي التي ثبتت واستمرت وبقيت وشرفت وحسنت ولطفت، وظاهر هذا عند من لا دربة له بهذا البحث متناقض، وأنه قد جمع في هذا الحكم بين السلب والإيجاب.