قال: وهذه كبها من درجات النفس، تارة من ناحيتها بالبحث والتنقير والنظر والتقليب، وتارة بالوحي والإلهام، والإلقاء والسنوح، والموافقة والمصارفة، وما جرى في نظائر هذه المعاني، والتبس بما يكون شطراً لها، وهذه حال تقع أولاً في مزاج مهياً، وترتيب معدل، وطنية حرة. ثم يظهر ثانياً بتهذيب النفس، وتطهير الأخلاق، وتصفية الأعمال، وقمع الشهوات. وكل من كان قسطه من الحال الفلكية أوفر كان مصاره في الحال البشرية اظهر.
وهذا باب طويل الذيل مياس، وفيما وقع النص عليه، ووصلت الإشارة إليه، بلاغ لمن آثر رشده، وقصد حظه، وبذل سعيه، وأم غايته. وفقنا الله لما يجب واستعملنا فيما يرضى، أنه قريب مجيب.
المقابسة الثالثة والثلاثون
في الحركة والسكون وأيهما أقدم؟
سئل أبو محمد العروضي مرة عن الحركة والسكون أيهما أقدم؟ فقال: أما عند الحس فالحركة أقدم، وأما عند العقل فالسكون أقدم. وبعد فالسكون عدم الحركة، وكل حس فقوامه بالحركة، وكل عقل فصورته بالسكون، ونظامه بالهدوء، وخاصته بالطمأنينة، وأثره بالقرار، وقوته بالنفس؛ وكأن من فيض العلة الأولى وجوده، لأن هذا النعت لكل ما دونه، فالاستعارة له بالواجب والحقيقة، والسكون عند العقل عدم الحس، والحركة عند الحس تأثير العقل.
وأطال إطالة شذ بها عني أكثر قوله.
وسمعت أبا سليمان يقول ما هو رفد لهذا القول وجار معه: فإن سكون العقل في نوع الحركة، وحركة الحس في نوع السكون، لأن حركة الحس